للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: وحرمن بارتضاع الأبيات الثلاثة، أشار به إلى تحريم الرضاع، والرضاع وصول لبن آدمية لمحل مظنة الغذاء، سواء كان وصوله بإرضاعها له أو بارتضاعه منها نائمة مثلا، أوصبه في فمه، وأما قوله سبحانه وتعالى: (أرضعنكم) فهو خارج مخرج الغالب، لظواهر الأحاديث، ولعدم تأثير الفارق، ومعنى الأبيات أن الرضاع يحرم به ما يحرم من النسب إذا كان في الحولين وما قاربهما بيسير، ولو مصة واحدة، أما أنه يحرم ما يحرم من النسب فلحديث الصحيح " إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " (١) وأما اشتراط كونه في الحولين فلقوله سبحانه وتعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فقد اقتضت الآية الكريمة أن أقصى أمد الرضاع حولان، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: وما قرب من الحولين فله حكمهما عند أكثر أصحابنا لوجود معنى تحريم الرضاعة فيه، وهو انتفاع الصبي به، وكونه له غذاء، ومن طريق اختلاف الشهور بالزيادة والنقصان، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (حولين كاملين) واختلف في حد القرب ما هو فقيل اليوم واليومان، وقيل الأيام اليسيرة، وقيل الشهر ونحوه، وقيل الشهر والشهران، وهو قوله في المدونة، وقيل الشهر والشهران والثلاثة، وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك.

واختار اللخمي - رحمه الله تعالى - رواية الوليد، قال: ومحمل الآية الكريمة في السنتين أنها كافية للمرضع، وليس أنه لا منفعة له في ما زاد لقول النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام " (٢) وهذا صحيح ذكره الترمذي، فعلق التحريم بما كان قبل الفطام وقبل أن ينتقل غذاؤه عن البن، وهذا لم يفطم، واللبن قوام جسمه، يشبع لوجوده ويجوع لعدمه، وهذا إذا كان مقصورا على الرضاع، أو يأكل مع ذلك ما يضر به الاقتصار عليه دون الرضاع.


(١) متفق عليه.
(٢) رواه الترمذي، وهو حديث صحيح.

<<  <   >  >>