قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: والفرق بين الموضعين من وجهين أحدهما الظاهر، والثاني المعنى، فأما الظاهر فهو ما روي أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح، والجائحة لا تطلق إلا على ما أتلف جميع المال أو جله، وأما من ذهب اليسير من ماله فلا، ويبين ذلك أن من يملك ألف دينار إذا ذهب من ماله الدينار والعشرة والعشرون لا يقال إن ماله أجيح، وكذلك من سرق له من جملة متاعه الكثير شيء يسير، لا يقال إن اللصوص اجتاحوا ماله، إلى أن قال: وأما المعنى فلأن المشتري دخل لا محالة على ذهاب اليسير من الثمرة وأنها لا تسلم كلها، هذا معلوم بالعادة لا يكلم من يدفعه، لأن من يقول إن المشتري دخل على أن تسلم الثمرة من ذهاب رطبة وبسرة، ورطل أو رطلين، أو اجتياز المعتفين، أو أكل الطير اليسير، فقد خرج عن العادة، وإذا ثبت ذلك اقتضى أنه لا يرجع في اليسير، وأنه يرجع في الكثير لأنه لم يدخل عليه، وإنما دخل على سلامة الجل، فبان بذلك مذهب مالك - رحمه الله تعالى -.
وهذا ما لم تكن الجائحة من العطش، وإلا وضعت وإن قلت، واختلف في البقول فروى ابن القاسم وضع الجائحة فيها وإن قلت، لأن غالب جائحتها العطش، وروى علي بن زياد وابن أشرس اعتبار الجائحة فيها بالثلث كالثمار، وقيل لا جائحة فيها، وإلى هذا أشار بقوله: وفي البقول يوضع القليل البيت.
قوله: وذاك في الزرع به لا يوضع البيت، معناه أنه لا جائحة في الزرع، إذ لا يجوز بيعه قبل يبسه كما تقدم، ولا جائحة بعد اليبس، وكذلك لا جائحة في ما بيع من الثمار بعد يبسه وانتهاء طيبه، قال سيدي زروق - رحمه الله تعالى -: اتفاقا، وإليه الإشارة بالبيت الأخير.
١٤٧٢ - ومن يكن من حائط قدَ اَعرى ... ثمر بعضه بلفظ الِاعرا