قوله: وزاعما على الذي البيتين، معناه أن الوكيل إذا ادعى أنه رد إلى موكله ما وكله عليه، أو ما وكله على شرائه، أو ثمن ما وكله على بيعه، وأنكر الموكل ذلك، أو ادعى المودع أنه رد الوديعة لصاحبها، وأنكر المودع، أو ادعى عامل القراض أنه رده إلى ربه، صدقوا بيمين، لأنهم أمناء، إلا أن يشهد بينة عند التوكيل، أو الإيداع، أو القراض، قاصدا التوثق بها، فلا يصدقون في الرد دون بينة، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: فالأمانة التي تكون بين المخلوقين أمرهم الله سبحانه وتعالى فيها بالتقوى والأداء، ولم يأمرهم بالإشهاد كما فعل في ولي اليتيم، فدل ذلك على أنهم مؤتمنون في الرد إلى من ائتمنهم دون إشهاد، فوجب أن يصدق المستودع في دعواه رد الوديعة مع يمينه إن أكذبه المودع، كما تصدق المرأة فيما ائتمنها الله سبحانه وتعالى عليه مما خلق في رحمها من الحيض والحمل، لقوله سبحانه وتعالى:(ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) إلا أن يكون دفعها إليه بإشهاد، فيتبين أنه إنما ائتمنه على حفظها، ولم يأتمنه على ردها، فيصدق في الضياع الذي ائتمنه عليه، ولا يصدق في الرد الذي استوثق منه فيه ولم يأتمنه عليه، هذا قول مالك وجميع أصحابه ابن القاسم وغيره - رحمهم الله تعالى جميعا -.
ثم قال: وهذا في من دفع الأمانة إلى اليد التي دفعتها إليه، وأما من دفعها إلى غير اليد التي دفعت إليه، فعليه ما على ولي اليتيم من الإشهاد، قال الله عز وجل:(فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) فإن لم يشهد فلا يصدق في الدفع إذا أنكر القابض، لا أحفظ في هذا الوجه نص خلاف، إلا على قول ابن الماجشون في من بعث ببضاعة مع رجل إلى رجل أنه لا يلزمه الإشهاد في دفعها إليه، وهو مصدق وإن أنكر القابض، كانت دينا أو صلة.