قوله: والصلح إن لم يك البيت، معناه أن الصلح جائز إذا لم يؤد إلى محرم، سواء أقر المدعى عليه بالحق أو أنكر، أو سكت، وقد دلت على جواز الصلح الآيات القرآنية الكريمة كقوله سبحانه وتعالى:(لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) وقوله سبحانه وتعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) والأحاديث الصحيحة كإشارته صلى الله تعالى عليه وسلم على كعب بن مالك أن يضع شطر دينه على عبد الله بن أبي حدرد، (١) وكصلحه بين ثابت بن قيس بن شماس وزوجته الذي تقدم ذكره، والصلح على الإقرار أن يقول: هذه شاتي، فيقول: نعم، هي شاتك، ولكن أصالحك عنها بهذا الثوب مثلا، والصلح على الإنكار أن ينكر المدعى عليه كون الشاة للمدعي، ثم يصالحه عنها بثوب مثلا، والصلح عن السكوت أن يصالحه عنها من غير إقرار له بكونها له، ولا إنكار لذلك، وإذا كان الصلح على غير المدعى به كالمثال المذكور كان بيعا، فتجري فيه التفاصيل المتقدمة في البيع، وإذا كان على بعضه كقصة كعب بن مالك - رضي الله تعالى عنه - فهو هبة، ويمتنع الصلح إذا وقع على صورة ممنوعة على دعوى كل واحد منهما وعلى ظاهر الحكم، كأن يدعي عليه بدراهم فيقر ببعضها ويصالحه عنه بثوب مؤجل، فهذا على دعوى كل منهما فسخ دين في دين، وأما لو أنكر وصالح على شيء مؤخر فذلك جائز على دعوى المدعى عليه، إذ لا دين له عليه أصلا، ممنوع على دعوى المدعي لما سبق، ولو ادعى عليه طعاما من قرض، وأقر به، لكن قال هو من سلم، فصالحه عنه بشيء، كان ذلك ممتنعا على دعوى المدعى عليه، لاقتضائها أن الصلح بيع لطعام معاوضة قبل قبضه، ولا يمتنع على دعوى المدعي لجواز بيع طعام القرض قبل قبضه، والمشهور منع هذين النوعين وأنهما يفسخان خلافا لأصبغ.