للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: ويحبس المديان البيتين، أشار به إلى أن المدين على ثلاثة أنواع، وذلك أنه إما أن يكون مجهول الحال، أو معلوم الملاء، أو العدم، أما مجهول الحال، فلا يحبس إلا قدر ما يكشف عن حاله، إن لم يأت بمن يضمن وجهه، وإن لم يتبين أن له مالا، أطلق بعد يمينه أنه لا مال له وإن وجد ليقضينّ، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: وذلك يختلف باختلاف الدين في ما روى ابن حبيب عن ابن الماجشون، فيحبس في الدريهمات اليسيرة قدر نصف شهر، وفي الكثير من المال أربعة أشهر، وفي الوسط منه شهرين، ووجه ذلك أنه يسجن على وجه اختبار حاله، فوجب أن يكون على قدر الحق الذي يسجن من أجله.

ومن يتهم أنه خبأ مالا وغيبه، حبس حتى يؤدي، أو يثبت عدمه، بأن تشهد البينة أنه لا يعرف له مال ظاهر ولا باطن، ويحلف على ما شهدت عليه، لأنها إنما تشهد على العلم، لا القطع، ويزيد في يمينه إن وجد ليقضينّ.

وأما معلوم الملاء الملد فيحبس حتى يؤدي، أو يموت، وكذلك من تقعد على أموال الناس، وادعى العدم، وتبين كذبه، قال ابن رشد: وروي عن سحنون - رحمهما الله تعالى - أنه يضرب بالدرة المرة بعد المرة، حتى يؤدي أموال الناس، وليس قوله هذا بخلاف مذهب مالك - رحمه الله تعالى - فقد قال مالك - رحمه الله تعالى - يضرب الإمام الخصم على اللدد، وأي لدد أبين من هذا، فالقضاء بما روي عن سحنون في مثل هؤلاء الذين يقعدون على أموال الناس، ويرضون بالسجن ويستخفونه، ليأكلوا أموال الناس ويستهضمونها هو الواجب الذي لا تصح مخالفته إن شاء الله سبحانه وتعالى، وقد قال عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.

<<  <   >  >>