الثاني والثالث المضمضة والاستنشاق وما ذكره من سنيتهما هو المشهور، وحكى ابن بشير في شرح التفريع قولا بكونهما فضيلتين، وجعل المازري في شرح التلقين ذلك اختلافا في عبارة، ومن أهل العلم من قال بوجوبهما لشمول الوجه لهما، ووجه القول بعدم دخولهما في الوجه، أنه لو أريد به ما يعمهما لكان حقه في التكرير أن يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه قبل أن يتمضمض ويستنشق ثانية، ثم يتمضمض ويستنشق، ثم يغسل وجهه، ثم يتمضمض ويستنشق ثالثة، ثم يغسل وجهه ثالثة، فدل فعله صلى الله تعالى عليه وسلم أنهما مستقلان عن الوجه والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن أهل العلم من قال بوجوب الاستنشاق دون المضمضة كما ذكره المازري في شرح التلقين.
وقال ابن شاس في جواهره: في صفة المضمضة وصفتها أن يأخذ الماء بفيه، فيخضخضه ثم يمجه، قال أبو الحسن اللخمي: وإن أدخل أصبعه ودلك بها أسنانه فحسن، وقال في الاستنشاق وصفته: أن يجتذب الماء بخياشيمه ويجعل إبهامه وسبابته على أنفه ثم ينثر بالنفس ويبالغ في الاستنشاق ما لم يكن صائما انتهى.
وفي بعض شروح خليل أن المبالغة مكروهة للصائم أيضا في المضمضة، فينهى عن تعميم أرجاء فمه، ولم أقف عليه في كلام المتقدمين الذين يتعين المصير إلى قولهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
والرابع الاستنثار وقد سقط من أكثر النسخ كما قال أبو الحسن، وقد اختلف في عده سنة مستقلة عن الاستنشاق، وقد وقع في بعض الأحاديث ما ظاهره إطلاق الاستنثار على الاستنشاق، قال ابن عرفة في مختصره: عياض: الاستنشاق والاستنثار عندنا سنتان، وعدهما بعض شيوخنا سنة واحدة، وقال ابن يونس في جامعه في صفته: قال مالك في العتبية: والاستنثار أن يجعل يده على أنفه ثم يستنثر، وقال ابن حبيب في شرح غريب الموطإ: الاستنشاق جذبه الماء بنفسه إلى خياشيمه، والاستنثار نثر ذلك الماء بنفَسِه إلى خارج انتهى.