للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: ولازم الفكر البيت، أشار به إلى ما ذكر الشيخ من أن التفكر في أمر الله سبحانه وتعالى هو مفتاح العبادة، فالتفكر في تغير أمور الدنيا من النعيم إلى البؤس، والصحة إلى المرض، والقوة إلى الضعف، والشبيبة إلى الهرم، والغنى إلى الفقر، والعز إلى الذل والهوان، وما بعد ذلك كله من معالجة الموت وسكراته، والقبر وهوله، وما ينتظر العصاة من النكال والخزي، والعذاب الأليم، وما أعد الله سبحانه وتعالى بفضله لعباده الصالحين، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ما يبعث على الهرب من المناهي والسيئات، والجد في امتثال الأوامر والتقرب بالطاعات، ولقد أحسن أبو العتاهية حيث يقول: ...

حتى متى أنت في لهو وفي لعب ... والموت نحوك يهوي فاغرا فاه

ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... رب امرئ حتفه في ما تمناه

وقد جاء في الحديث الشريف الأمر بالإكثار من ذكر هاذم اللذات، (١) وذلك أنك إن ذكرته وأنت في ضيق من العيش، وسعه عليك، فرضيت بما أنت فيه، وإن ذكرته وأنت في سعة ضيقها عليك، ومنعك من الركون إليها.

قوله: واذكر إساءتك البيت، معناه أنه مما ينبغي أن تتفكر فيه أيضا إمهال الله سبحانه وتعالى لك، مع ما أنت فيه من عظائم الجرائم ليلك ونهارك، مما تستحق بأيسره من النقمة ما لا قبل لأحد به، ولتنتهز الفرصة في ما بقي من عمرك، مسابقا الموت، بالإقبال على التوبة، والاستكثار من القرب، وقد كنت قلت:

وبادرنَّ بتدارك الاِسا ... ءة، وحاذرنْ لعل وعسى

لا تجعل الحاضرَ في تفويت ... فُرَصه كسالف الوقوت

وكن على فوات ذاك السالف ... من فُرَصٍ لك شديدَ الاسف

ذاكرا الذنب وما من الفتورْ ... عليك فوَّت قناطير الاجور

فمن على تفريطه لم يأسف ... يكن بحاضر له كالسالف

وهكذا يكون في ما ياتي ... بعدُ كمثل حاضر الأوقات

فلا يزال راكنا إلى الدعه ... وكانت الأوقات منه ضائعه


(١) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

<<  <   >  >>