للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من الْمُلُوك قسطنطين بعد نَحْو ثَلَاثمِائَة سنة من رفع الْمَسِيح فو الله مَا قدر على إِظْهَار النصراينة حَتَّى رَحل عَن رُومِية مسيرَة شهر وَبني برنطية وَهِي قسطنطينية ثمَّ أجبر النَّاس على النصراينة بِالسَّيْفِ وَالعطَاء وَكَانَ من عهوده المحفوظة أَن لَا يولي ولَايَة إِلَّا من تنصر من النَّاس سراع إِلَى الدُّنْيَا نافرون عَن الْأَدْنَى وَكَانَ مَعَ هَذَا كُله على مَذْهَب أريوس لَا على التَّثْلِيث وَلَكِن هَذَا من دَعْوَى النَّصَارَى وكذبهم مُضَاف إِلَى مَا يَدعُونَهُ من أَنهم بعد هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة وَبعد خراب بَيت الْمُقَدّس مرّة بعد أُخْرَى وبقائه خراباً لَا سَاكن فِيهِ نَحْو مِائَتي عَام وَسبعين عَاما وجدوا الشوك وضع الَّذِي على رَأس الْمَسِيح بزعمهم والمسامير الَّتِي ضربت فِي يَدَيْهِ وَالدَّم الَّذِي طَار من جنبه والخشبة الَّتِي صلب عَلَيْهَا فَلَا أَدْرِي مِمَّن الْعجب أممن اخترع مثل هَذِه الكذبة الغثة المفضوحة أم مِمَّن قبلهَا وَصدق بهَا ودان باعتقادها وصلب وَجهه للْحَدِيث بهَا لَيْت شعري أَيْن بَقِي ذَلِك الشوك وَذَلِكَ الدله سَالِمين وَتلك المسامير وَتلك الْخَشَبَة طول تِلْكَ الْمدَّة وَأهل ذَلِك مطرودون مقتولون كَقَتل من تستر بالزندقة الْيَوْم وَتلك الْمَدِينَة خراب الدهور الطوَال لَا يسكنهَا أحد إِلَّا السبَاع والوحش وَقد شاهدنا ملوكاً جلت لَهُم الأتباع ولأولاد الشيع والأقارب صلبوا فَمَا مَضَت مُدَّة يسيرَة حَتَّى لم يبْقى لتِلْك الْخشب أثر فَكيف أَمر لَا طَالب لَهُ وبدول قد انْقَطَعت وبلاد قد أقفرت وخلت ونسيت أَخْبَارهَا وَهَذِه الْبردَة الَّتِي كَانَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والقصعة وَالسيف على أَن الدولة مُتَّصِلَة لم تتخرم مُنْذُ حِينَئِذٍ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين قد دخلت الدَّاخِلَة فِي الْقَصعَة وَالسيف حَتَّى لَا يَقِين عندنَا مِنْهُمَا الْيَوْم وَلَوْلَا تداول الْخُلَفَاء للباس الْبردَة أبدا الآبد فينقل أمرهَا جيلاً بعد جيل والمنبر كَذَلِك لما قَطعنَا عَلَيْهِمَا وَلَكِن التداول لَهما أمة بعد أمة وهما قائمان ظاهران للنَّاس هُوَ أوجب الْيَقِين بهما وَرفع الشَّك فيهمَا وَكَذَلِكَ كل مَا جرى هَذَا المجرى ثمَّ لم يلبث دين النَّصَارَى أَن مَاتَ قسطنطين أول من تنصر من مُلُوك الدُّنْيَا ثمَّ مَاتَ ابْنه قسطنطين وَولي ملك تِلْكَ النصراينة وَرجع إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان إِلَى أَن مَاتَ ثمَّ ولي رجل من أقَارِب قسطنطين فَرجع إِلَى النصراينة وَأما ديانَة الْيَهُود فَمَا صفت فِيهَا نَبَات بني إِسْرَائِيل ومُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَيّ بَين أظهرهم وَمَا زَالُوا مائلين إِلَى إِظْهَار عبَادَة الْأَوْثَان ثمَّ تكذيبهم كلهم بالشريعة الَّتِي أَتَاهُم بهَا بعد مَوته عَلَيْهِ السَّلَام طبقَة بعد طبقَة إِلَى انْقِطَاع دولتهم فَكيف إِن يتبعهُ غَيرهم

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وبرهان ضَرُورِيّ لمن تدبره حسي لَا محيد عَنهُ وَهُوَ أَنه لَا خلاف بَين أحد من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر الْملَل فِي أَن بني إِسْرَائِيل كَانُوا بِمصْر فِي أَشد عَذَاب يُمكن أَن يكون من ذبح أَوْلَادهم تسخيرهم فِي عمل الطوب بِالضَّرْبِ الْعَظِيم والذل الَّذِي لَا يصبر عَلَيْهِ كلب مُطلق فَأَتَاهُم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَدعُوهُم إِلَى فِرَاق هَذَا الْأسر الَّذِي قتل النَّفس أخف مِنْهُ وَإِلَى الْحُرِّيَّة وَالْملك وَالْغَلَبَة والأمن مَضْمُون مِمَّن هُوَ فِي أقل من تِلْكَ الْحَال أَن يُسَارع إِلَى كل من يطْمع على يَدَيْهِ بالفرج وَأَن يستجيب لَهُ إِلَى كل مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ وَإِن أَكثر من فِي هَذَا الْبلَاء يستخير عبَادَة

<<  <  ج: ص:  >  >>