نَدْرِي أَنه لَا يُقَال كَبِيرَة إِلَّا بِالْإِضَافَة إِلَى مَا هُوَ أَصْغَر مِنْهَا والكبائر أَيْضا تتفاضل فالشرك أكبر مِمَّا دونه وَالْقَتْل أكبر من غَيره وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهُمَا لَا يعذبان وَمَا يعذبان فِي كَبِير وَأَنه لكبير أما أَحدهمَا فَكَانَ لَا يستبرئ من بَوْله وَأما الآخر فَكَانَ يمشي بالنميمة فَأخْبر عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُمَا كَبِير وَمَا هما بكبير وَهَذَا بَين لِأَنَّهُمَا كبيران بِالْإِضَافَة إِلَى الصفائر المغفورة باجتناب الْكَبَائِر ولبسا بكبيرين بِالْإِضَافَة إِلَى الْكفْر وَالْقَتْل
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) فَبَطل القَوْل الْمَذْكُور فَنَظَرْنَا فِي ذَلِك فَوَجَدنَا معرفَة الْكَبِير من الذُّنُوب مِمَّا لَيْسَ بكبير مِنْهَا لَا يعلم الْبَتَّةَ إِلَّا بِنَصّ وَأَرَادَ فِيهَا إِذْ هَذَا من أَحْكَام الله تَعَالَى الَّتِي لَا تعرف إِلَّا من عِنْده تَعَالَى فبحثنا عَن ذَلِك فَوَجَدنَا الله تَعَالَى قد نَص بالوعيد على ذنُوب فِي الْقُرْآن وعَلى لِسَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوجدنَا ذنوباً أخر لم ينص عَلَيْهَا بوعيد فَعلمنَا يَقِينا أَن كل مَا توعد الله تَعَالَى عَلَيْهِ بالنَّار أَو توعد عَلَيْهِ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالنَّار فَهُوَ كَبِير وكل مَا نَص عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باستعظامه فَهُوَ كَبِير كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام اتَّقوا السَّبع الموبقات الشّرك وَالسحر وَالْقَتْل وَالزِّنَا وَذكر الحَدِيث وَكَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام عقوق الْوَالِدين من الْكَبَائِر وكل مَا لم يَأْتِ نَص باستعظامه وَلَا جَاءَ فِيهِ وَعِيد بالنَّار فَلَيْسَ بكبير وَلَا يُمكن أَن يكون الْوَعيد بالنَّار على الصَّغَائِر على انفرادها لِأَنَّهَا مغمورة باجتناب الْكَبَائِر فصح مَا قُلْنَاهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
[الموافاة]
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) اخْتلف المتكلمون فِي معنى عبروا عَنهُ بِلَفْظ الموافاة وهم أَنهم قَالُوا فِي إِنْسَان مُؤمن صَالح مُجْتَهد فِي الْعِبَادَة ثمَّ مَاتَ مُرْتَدا كَافِرًا وَآخر كَافِر متمردا وفاسق ثمَّ مَاتَ مُسلما نَائِبا كَيفَ كَانَ حكم كل وَاحِد مِنْهُمَا قبل أَن ينْتَقل إِلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ عِنْد الله تَعَالَى فَذهب هِشَام ابْن عَمْرو والفوطي وَجَمِيع الأشعرية إِلَى أَن الله عز وَجل لم يزل رَاضِيا عَن الَّذِي مَاتَ مُسلما تَائِبًا وَلم يزل ساخط على الَّذِي مَاتَ كَافِرًا أَو فَاسِقًا وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِأَن الله عز وَجل لَا يتَغَيَّر علمه وَلَا يرضى مَا سخط وَلَا يسْخط مَا رَضِي وَقَالَت الأشعرية الرِّضَا من الله عز وَجل لَا يتَغَيَّر مِنْهُ تَعَالَى صِفَات الذَّات لَا يزولان وَلَا يتغيران وَذهب سَائِر الْمُسلمين إِلَى أَن الله عز وَجل كَانَ ساخطاً على الْكَافِر وَالْفَاسِق ثمَّ رَضِي الله عَنْهُمَا إِذا أسلم الْكَافِر وَتَابَ الْفَاسِق وَأَنه كَانَ تَعَالَى رَاضِيا عَن الْمُسلم وَعَن الصَّالح ثمَّ سخط عَلَيْهِمَا إِذا كفر الْمُسلم وَفسق الصَّالح
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) احتجاج الْأَشْعر بِهِ هَاهُنَا هُوَ احتجاج الْيَهُود فِي إبِْطَال النّسخ وَلَا فرق وَنحن نبين بطلَان احتجاجهم وَبطلَان قَوْلهم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَنَقُول وَبِاللَّهِ عز وَجل نتأيد أما قَوْلهم عَن علم الله عز وَجل لَا يتَغَيَّر فَصَحِيح وَلَكِن معلوماته تَتَغَيَّر وَلم نقل أَن علمه يتَغَيَّر ومعاذ الله من هَذَا وَلم يزل علمه تَعَالَى وَاحِدًا يعلم كل شَيْء على تصرفه فِي جَمِيع حالاته فَلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute