للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَقد ادّعى قوم أَن إِبْلِيس كَانَ ملكا فعصى وحاشا لله من هَذَا لِأَن الله تَعَالَى قد كذب هَذَا القَوْل بقوله تَعَالَى {إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ} وَبِقَوْلِهِ {افتتخذونه وَذريته أَوْلِيَاء من دوني} وَلَا ذُرِّيَّة للْمَلَائكَة وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} وبإخباره أَنه خلق إِبْلِيس من نَار السمُوم وَصَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ خلقت الْمَلَائِكَة من نور والنور غير النَّار بِلَا شكّ فصح أَن الْجِنّ غير الْمَلَائِكَة وَالْمَلَائِكَة كلهم خِيَار مكرمون بِنَصّ الْقُرْآن وَالْجِنّ والأنس فيهمَا مَذْمُوم ومحمود فَإِن قَالَ قَائِل إِن الله عز وَجل ذكر أَنهم قَالُوا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك} وَهَذَا تَزْكِيَة لأَنْفُسِهِمْ وَقد قَالَ تَعَالَى وَلَا تزكوا أَنفسكُم قُلْنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق مدح الْمَرْء نَفسه يَنْقَسِم قسمَيْنِ أَحدهمَا مَا قصد بِهِ الْمَرْء افتخاراً بغياً وانتقاصاً لغيره فَهَذِهِ هِيَ التَّزْكِيَة وَهُوَ مَذْمُوم جدا وَالْآخر مَا خرج مخرج الْإِخْبَار بِالْحَقِّ كَقَوْل رَسُول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسلم أَنا سيد ولد آدم وَلَا فَخر وفضلت على الْأَنْبِيَاء وكقول يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام اجْعَلنِي على خَزَائِن الأَرْض إِنِّي حفيظ عليم وَلَا يُسمى هَذَا تَزْكِيَة وَمن هَذَا الْبَاب قَول الْمَلَائِكَة هَهُنَا برهَان هَذَا أَنه لَو كَانَ قَوْلهم مذموماً لأنكره الله عز وَجل عَلَيْهِم فَإِذا لم يُنكره الله تَعَالَى فَهُوَ صدق وَمن هَذَا الْبَاب قَوْلنَا نَحن السلمون وَنحن خير أمة أخرجت للنَّاس وكقول الحواريين نَحن أنصار الله فَكل هَذَا إِذا قصد بِهِ الحض على الْخَيْر لَا الْفَخر فَهُوَ خير فَإِن قَالَ قَائِل إِن الله تَعَالَى قَالَ لَهُم {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} قُلْنَا نعم وَمَا شكّ الْمَلَائِكَة قطّ أَن الله تَعَالَى يعلم مَا لَا يعلمُونَ وَلَيْسَ هَذَا إنكاراً وَأما الْجِنّ فقد قُلْنَا أَنهم متعبدون بِملَّة الْإِسْلَام وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الروث وَالْعِظَام طَعَام إِخْوَاننَا من الْجِنّ وَهَذَا بِخِلَاف حكمنَا فقد يخصهم الله عز وَجل بأوامر خلاف أوامرنا كَمَا للنِّسَاء شرائع لَيست للرِّجَال من الْحيض وَقطع الصَّلَاة وَغير ذَلِك وكما لقريش الْإِمَامَة وَلَيْسَت لغَيرهم وكل ذَلِك دين الْإِسْلَام وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل

هَل يكون مُؤمنا من اعْتقد الْإِسْلَام دون اسْتِدْلَال

أم لَا يكون مُؤمنا مُسلما الإمن اسْتدلَّ

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) ذهب مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ والأشعرية كلهَا حاشا السمناني إِلَى أَنه لَا يكون مُسلما إِلَّا من اسْتدلَّ وَإِلَّا فَلَيْسَ مُسلما وَقَالَ الطَّبَرِيّ من بلغ الِاحْتِلَام أَو الاشعار من الرِّجَال وَالنِّسَاء أَو بلغ الْمَحِيض من النِّسَاء وَلم يعرف الله عز وَجل بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاته من الطَّرِيق الِاسْتِدْلَال فَهُوَ كَافِر حَلَال الدَّم وَالْمَال وَقَالَ أَنه بلغ الْغُلَام أَو الْجَارِيَة سبع سِنِين وَجب تعليمها وتدريبهما على الِاسْتِدْلَال على ذَلِك وَقَالَت الأشعرية لَا يلْزمهَا الِاسْتِدْلَال على ذَلِك إِلَّا بعد الْبلُوغ

<<  <  ج: ص:  >  >>