للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سمعا وبصراً مختصين بالمسموع والمبصر تَشْبِيها بخلقه سوى عَمه لِأَن الله تَعَالَى لم ينص على ذَلِك فلزمنا أَن نقُوله وَلَا يجوز أَن يخبر عَن الله بِغَيْر مَا أخبر عَن نَفسه لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} فصح أَنه تَعَالَى سميع لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير فصح أَنه تَعَالَى سميع لَيْسَ كمثله من السامعين بَصِير فصح أَنه تَعَالَى سميع لَيْسَ كمثله من السامعين بَصِير لَا كمثله شَيْء من البصراء فَإِن قَالَ قَائِل أتقولون أَن الله عز وَجل لم يزل يسمع وَيرى ويدر قُلْنَا نعم لِأَن الله عز وَجل قَالَ {إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى} وَقَالَ تَعَالَى {وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار} وَقَالَ تَعَالَى {وَالله يسمع تحاوركما} وَصَحَّ الْإِجْمَاع بقول سمع الله لمن حَمده وَصَحَّ النَّص فَمَا أذن الله لشَيْء اذنه لنَبِيّ حسن الصَّوْت يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ فَنَقُول إِن يسمع وَيرى وأسمع وَأرى وَيدْرك كل ذَلِك بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ معنى يعلم وَلَا فرق وَأما الاذن لنَبِيّ حسن الصَّوْت فَهِيَ من الاذن بِمَعْنى الْقبُول كَمَا يَأْذَن الْحَاجِب لمأذون لَهُ فِي الدُّخُول وَلَيْسَ من الْأذن الَّتِي هِيَ الْجَارِحَة وَلَو كَانَ كَمَا تظنون لَكَانَ يبصره للمبصرات وسَمعه للمسموعات مُحدثا ولكان غير سميع حَتَّى سمع وَغير بَصِير حَتَّى أبْصر وَلم يدْرك وحاشا لَهُ تَعَالَى من هَذَا فَكل هَذَا بِمَعْنى الْعلم وَلَا مزِيد فَإِن قيل فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار} قُلْنَا نعم وَخلق الله تَعَالَى فعل لَهُ مُحدث واختياره تَعَالَى هُوَ خلقه لَا غَيره وَلَيْسَ هَذَا من يسمع ويبصر وَيرى وَيدْرك فِي شَيْء لِأَن معنى كل هَذَا وَمعنى الْعلم سَوَاء وَلَا يجوز أَن يكون معنى يخلق ويختار معنى الْعلم وَأما الْعَفو والغفور والرحيم والحليم وَالْملك فَلَا يَقْتَضِي شَيْء من هَذَا وجود مَرْحُوم مَعَه وَلَا مَعْفُو عَنهُ مغْفُور لَهُ مَعَه وَلَا مَمْلُوك محلوم عَنهُ مَعَه بل هُوَ تَعَالَى رَحِيم بِذَاتِهِ عَفْو بِذَاتِهِ غَفُور بِذَاتِهِ ملك بِذَاتِهِ مَعَ النَّص الْوَارِد بِأَنَّهُ تَعَالَى كَانَ كَذَلِك وَهِي أَسمَاء أَعْلَام لَهُ عز وَجل فَإِن ذكرُوا الحَدِيث الصَّحِيح عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَينهم وَبَين أَن يروه الاداء الْكِبْرِيَاء على وَجهه لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه مَا انْتهى إِلَيْهِ بَصَره فَفِي هَذَا الْخَبَر إبِْطَال لقَولهم لِأَن فِيهِ أَن الْبَصَر مِنْهُ ذُو نِهَايَة وكل ذِي نِهَايَة مَحْدُود مُحدث وهم لَا يَقُولُونَ هَذَا لَكِن مَعْنَاهُ أَن الْبَصَر قد يسْتَعْمل فِي اللُّغَة بِمَعْنى الْحِفْظ قَالَ النَّابِغَة ... رَأَيْتُك ترعاني بِعَين بَصِيرَة

وتبعث حراساً عَليّ وناظرا ...

فَمَعْنَى هَذَا الْخَبَر لَو كشف تَعَالَى السّتْر الَّذِي جعل دون سطوته لأحرقت عَظمته مَا انْتهى إِلَيْهِ حفظه ورعايته من خلقه وَكَذَلِكَ قَول عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا الْحَمد لله الَّذِي وسع سَمعه الْأَصْوَات إِنَّمَا هُوَ بِمَعْنى أَن علمه وسع كل ذَلِك يعلم السِّرّ وأخفى ثمَّ نزيد بَيَانا بعون الله تَعَالَى فَنَقُول إِن قَوْلكُم لَا يعقل سميع إِلَّا بسمع وَلَا بَصِير إِلَّا ببصر فَإِن كل هَذَا صَحِيحا يُوجب أَن يُقَال إِن لله سمعا وبصراً فَإِنَّهُ لَا يعقل من لَهُ مكر إِلَّا وَهُوَ ماكر وَلَا من كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>