للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَرْبَابًا من دون الله وهم يُنكرُونَ هَذَا وَقُلْنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أَن التَّسْمِيَة لله عز وَجل فَلَمَّا كَانَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى يحرمُونَ مَا حرم أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ وَيحلونَ مَا أحلُّوا كَانَت هَذِه ربوبية صَحِيحَة وَعبادَة صَحِيحَة قد دانوا بهَا وسمى الله تَعَالَى هَذَا الْعَمَل اتِّخَاذ أَرْبَابًا من دون الله وَعبادَة وَهَذَا هُوَ الشّرك بِلَا خلاف كَمَا سمي كفرهم بِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبِي نَاسخ لما هم عَلَيْهِ كفر بِاللَّه عز وَجل وَأَن كَانُوا مُصدقين بِهِ تَعَالَى لَكِن لما أحبط الله تَعَالَى تصديقهم سقط حكمه جملَة فَإِن قَالُوا كَيفَ تَقولُونَ أَن الْكفَّار مصدقون بِاللَّه تَعَالَى وَالله تَعَالَى يَقُول {لَا يصلاها إِلَّا الأشقى الَّذِي كذب وَتَوَلَّى} وَيَقُول تَعَالَى {وَأما إِن كَانَ من المكذبين الضَّالّين فَنزل من حميم وتصلية جحيم} قُلْنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد إِن كل من خرج إِلَى الْكفْر بِوَجْه من الْوُجُوه فَلَا بُد لَهُ من أَن يكون مُكَذبا بِشَيْء مِمَّا لَا يَصح الْإِسْلَام إِلَّا بِهِ أَو رد أمرا من أمرو الله عز وَجل لَا يَصح الْإِسْلَام إِلَّا بِهِ فَهُوَ مكذب بذلك الشَّيْء الَّذِي رده أَو كذب بِهِ وَلم يقل الله تَعَالَى الَّذِي كذب بِاللَّه عز وَجل لَكِن قَالَ كذب وَتَوَلَّى وَلَا قَالَ تَعَالَى وَأما من كَانَ من المكذبين بِاللَّه وَإِنَّمَا قَالَ من المكذبين الضَّالّين فَقَط فَمن كذب بِأَمْر من أُمُور الله عز وَجل لَا يَصح الْإِسْلَام إِلَّا بِهِ فَهُوَ مكذب على الْإِطْلَاق كَمَا سَمَّاهُ الله تَعَالَى وَإِن كَانَ مُصدقا بِاللَّه تَعَالَى وَبِمَا صدق بِهِ

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَإِن قَالُوا كَيفَ تَقولُونَ أَن الْيَهُود عارفون بِاللَّه تَعَالَى وَالنَّصَارَى وَالله تَعَالَى يَقُول {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَلَا يحرمُونَ مَا حرم الله وَرَسُوله وَلَا يدينون دين الْحق من الَّذين أُوتُوا الْكتاب} قُلْنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق قد قُلْنَا أَن التَّسْمِيَة إِلَى الله عز وَجل لَا لأحد دونه وَقُلْنَا أَن اسْم الْإِيمَان مَنْقُول عَن مَوْضُوعه فِي اللُّغَة عَن التَّصْدِيق الْمُجَرّد إِلَى معنى آخر زَائِد مَعَ التَّصْدِيق فَلَمَّا لم يستوفوا تِلْكَ الْمعَانِي بَطل تصديقهم جملَة واستحقوا بِبُطْلَانِهِ أَن يسموا غير مُؤمنين وَبِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر فَإِن قيل فَهَل هم مصدقون بِاللَّه وباليوم الآخر قُلْنَا نعم فَإِن قيل ففيهم موحدون لله تَعَالَى قُلْنَا نعم فَإِن قيل فيهم مُؤمنُونَ بِاللَّه وبالرسول وباليوم الآخر قُلْنَا لَا لِأَن الله تَعَالَى نَص على كل مَا قُلْنَا فَأخْبر تَعَالَى أَنهم يعرفونه ويقرون بِهِ ويعرفون نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنه نَبِي فأقررنا بذلك وَأسْقط تَعَالَى عَنْهُم اسْم الْإِيمَان فأسقطناه عَنْهُم وَمن تعدى هَذِه الطَّرِيقَة فقد كذب ربه تَعَالَى وَخَالف الْقُرْآن وعاند الرَّسُول وخرق إِجْمَاع أهل الْإِسْلَام وكابر حسه وعقله مَعَ ذَلِك وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَهَكَذَا نقُول فِيمَن كَانَ مُسلما ثمَّ أطلق واعتقد مَا يُوجب الْخُرُوج عَن الْإِسْلَام كالقول بنبوة إِنْسَان بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو تَحْلِيل الْخمر أَو غير ذَلِك فَإِنَّهُ مُصدق بِاللَّه عز وَجل وبرسوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موحد عَالم بِكُل ذَلِك وَلَيْسَ مُؤمنا مُطلقًا وَلَا مُؤمنا بِاللَّه تَعَالَى وَلَا بالرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر لما ذكرنَا آنِفا وَلَا فرق لإِجْمَاع الْأمة كلهَا على اسْتِحْقَاق اسْم الْكفْر على من ذكرنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَصلى الله على مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

الْكَلَام فِي تَسْمِيَة الْمُؤمن بِالْمُسلمِ وَالْمُسلم بِالْمُؤمنِ وَهل الْإِيمَان وَالْإِسْلَام اسمان لمسمى وَاحِد وَمعنى وَاحِد أَو لمسميين ومعنيين

قَالَ أَبُو مُحَمَّد ذهب قوم إِلَى أَن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان اسمان واقعان على مَعْنيين وَأَنه قد يكون مُسلم غير مُؤمن وَاحْتَجُّوا بقول الله عز وَجل {قَالَت الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا وَلما يدْخل الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ}

<<  <  ج: ص:  >  >>