ذكر فُصُول يعْتَرض بهَا جهلة الْمُلْحِدِينَ على ضعفة الْمُسلمين
قَالَ أَبُو مُحَمَّد إِنَّا لما تدبرنا أَمر طائفتين مِمَّن شاهدنا فِي زَمَاننَا هَذَا ووجدناهما قد تفاقم الدَّاء بهما فَأَما إِحْدَاهمَا فقد جلت الْمُصِيبَة فِيهَا وَبهَا وهم قوم افتتحوا عنفوان فهمهم وابتدؤا دُخُولهمْ إِلَى المعارف بِطَلَب علم الْعدَد وابروته وطبائعه ثمَّ تدرجوا إِلَى تَعْدِيل الْكَوَاكِب وهيئة الأفلاك وَكَيْفِيَّة قطع الشَّمْس وَالْقَمَر والدراري الْخَمْسَة وتقاطع فلكي النيرين وَالْكَلَام فِي الأجرام العلوية وَفِي الْكَوَاكِب الثَّابِتَة وانتقالها وإبعاد كل ذَلِك وإعظامه وَفِيمَا دون ذَلِك من الطَّيِّبَات وعوارض الجو ومطالعة شَيْء من كتب الْأَوَائِل وحدودها الَّتِي نصبت فِي الْكَلَام وَمَا مازج بعض مَا ذكرنَا من آراء الفلاسفة فِي الْقَضَاء بالنجوم وَأَنَّهَا ناطقة مُدبرَة وَكَذَلِكَ الْفلك فَأَشْرَفت هَذِه الطَّائِفَة من أَكْثَرهَا مَا طالعت مِمَّا ذكرنَا على أَشْيَاء صِحَاح براهينها ضَرُورِيَّة لائحة وَلم يكن مَعهَا من قُوَّة الْمِنَّة وجودة القريحة وصفاء النّظر مَا تعلم بِهِ إِن من أصَاب فِي عشرَة آلَاف مَسْأَلَة مثلا فَجَائِز أَن يُخطئ فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة لَعَلَّهَا أسهل من الْمسَائِل الَّتِي أصَاب فِيهَا فَلم تفرق هَذِه الطَّائِفَة بَين مَا صَحَّ مِمَّا طلعوه بِحجَّة برهانية وَبَين مَا فِي أثْنَاء ذَلِك وتضاعيفه مِمَّا لم يَأْتِ عَلَيْهِ من ذكره من الْأَوَائِل إِلَّا بإقناع أَو بشغب وَرُبمَا بتقليد لَيْسَ مَعَه شَيْء مِمَّا ذكرنَا فحملوا كل مَا أشرفوا عَلَيْهِ محملًا وَاحِدًا وقبلوه قبولاً مستويا فسرى فيهم الْعجب وتداخلهم الزهو وظنوا أَنهم قد حصلوا على مباينة الْعَالم فِي ذَلِك وللشيطان موالج خُفْيَة ومداخل لَطِيفَة كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم فتوصل إِلَيْهِم من بَاب غامض نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ وَهُوَ أَنهم كَمَا ذكرنَا أصفار من كل شَيْء من عُلُوم الدّيانَة الَّتِي هِيَ الْغَرَض الْمَقْصُود من من كل ذِي لب بدوي وَالَّتِي هِيَ نتيجة الْعُلُوم الَّتِي طالعوا لَو عقلوا سبلها ومقاصدها فَلم يعبؤا بِآيَة من كتاب الله تَعَالَى الَّذِي هُوَ جَامع علو الْأَوَّلين والآخرين وَالَّذِي لم يفرط فِيهِ من شَيْء وَالَّذِي من فهمه كَفاهُ وَلَا بِسنة من سنَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي هِيَ بَيَان الْحق وَنور الْأَلْبَاب وَلم تلق هَذِه الطَّائِفَة الْمَذْكُورَة من حَملَة الدّين إِلَّا أَقْوَامًا لَا عناية عِنْدهم بِشَيْء مِمَّا قدمْنَاهُ وَإِنَّمَا عنيت من الشَّرِيعَة بِأحد ثَلَاثَة أوجه إِمَّا بِأَلْفَاظ ينقلون ظَاهرهَا وَلَا يعْرفُونَ مَعَانِيهَا وَلَا يهتمون بفهمها وَإِمَّا بمسائل من الْأَحْكَام لَا يشتغلون بديلها ومنبعثها وَإِنَّمَا حسبهم مِنْهَا مَا أَقَامُوا بِهِ جاههم وحالهم وَأما بخرافات منقولة عَن كل ضَعِيف وَكَذَّاب وساقط لم يهتموا قطّ بِمَعْرِِفَة صَحِيح مِنْهَا من سقيم وَلَا مُرْسل من مُسْند وَلَا مَا نقل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا نقل عَن كَعْب الْأَحْبَار أَو وهب بن مُنَبّه عَن أهل الْكتاب فَنَظَرت الطَّائِفَة الأولى من هَذِه الْآخِرَة بِعَين الاستهجان والاحتقار والاستهجان فَتمكن الشَّيْطَان مِنْهُم وَحل فيهم حَيْثُ أحب فهلكوا وَضَلُّوا واعتقدوا أَن دين الله تَعَالَى لَا يَصح مِنْهُ شَيْء وَلَا يقوم عَلَيْهِ دَلِيل فاعتقدوا أَكْثَرهم الْإِلْحَاد والتطعيل وسلك بَعضهم طَرِيق الاستخفاف والإهمال وإطراح ثقل الشَّرَائِع وَاسْتِعْمَال الْفَرَائِض والعبادات وآثروا الراحات وركوب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute