للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فصح يَقِينا أَنه أَرَادَ بِلَا شكّ أَنه لَو أسمعهم لتولوا عَن الْكفْر وهم معرضون عَنهُ لَا يجوز غير هَذَا أصلا لِأَنَّهُ تَعَالَى قد نَص على أَن إسماعه لَا يكون إِلَّا لمن علم فِيهِ خيرا وَمن الْمحَال الْبَاطِل أَن يكون من علم الله تَعَالَى فِيهِ خيرا يتَوَلَّى عَن الْخَيْر ويعرض عَنهُ فَبَطل مَا حرفوه بظنونهم من كَلَام الله عز وَجل وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكراً وَإِمَّا كفوراً} فَإِنَّهُ تَعَالَى قسم من هدى السَّبِيل قسمَيْنِ كفوراً وشاكراً فصح ان الكفور أَيْضا هدى السَّبِيل فَبَطل مَا توهموه من الْبَاطِل وَللَّه تَعَالَى الْحَمد وَصَحَّ مَا قُلْنَا

الْكَلَام فِي الإضلال

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقد تلونا من كَلَام الله تَعَالَى فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا وَالْبَاب الَّذِي فبله مُتَّصِلا بِهِ نصوصا كَثِيرَة بِأَن الله تَعَالَى أضلّ من شَاءَ من خلقه وَجعل صُدُورهمْ ضيقَة حرجة فَإِن اعْترضُوا بقول الله تَعَالَى عَن الْكفَّار أَنهم قَالُوا {وَمَا أضلنا إِلَّا المجرمون} فَلَا حجَّة لَهُم فِي هَذِه الْوُجُوه أَحدهَا أَنه قَول كفار قد قَالُوا الْكَذِب وَحكى الله تَعَالَى حِينَئِذٍ {وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين انْظُر كَيفَ كذبُوا على أنفسهم وضل عَنْهُم مَا كَانُوا يفترون} فَإِن أَبَوا إِلَّا الِاحْتِجَاج بقول الْكفَّار فليجعلوه إِلَى جنب قَول إِبْلِيس {رب بِمَا أغويتني لأزينن لَهُم فِي الأَرْض} وَالْوَجْه الثَّانِي أننا لَا ننكر إضلال الْمُجْرمين وإضلال إِبْلِيس لَهُم وَلكنه إضلال آخر لَيْسَ إضلال الله تَعَالَى لَهُم وَالثَّالِث أَنه لَا عذر لأحد فِي أَن الله تَعَالَى أضلّهُ وَلَا لوم على الْخَالِق تَعَالَى فِي ذَلِك وَأما من أضلّ آخر من دون الله تَعَالَى فَهُوَ ملوم وَقد فسر الله تَعَالَى إضلاله لمن يضل كَيفَ هُوَ وَفسّر تَعَالَى ذَلِك الإضلال تَفْسِيرا أغنانا بِهِ عَن تَفْسِير الخلعاء العيارين كالنظام والعلاف وثمامة وَبشر بن الْمُعْتَمِر والجاحظ والناشي وَمَا هُنَالك من الْأَحْزَاب وَمن تَبِعَهُمْ من الْجُهَّال فَبين تَعَالَى فِي نَص الْقُرْآن أَن إضلاله لمن أضلّ من عباده إِنَّمَا هُوَ أَن يضيق صَدره عَن قبُول الْإِيمَان وَأَن يحرجه حَتَّى لَا يرغب فِي تفهمه والجنوح إِلَيْهِ وَلَا يصبر عَلَيْهِ ويوعر عَلَيْهِ الرُّجُوع إِلَى الْحق حَتَّى يكون كَأَنَّهُ يتَكَلَّف فِي ذَلِك الصعُود إِلَى السَّمَاء وَفسّر ذَلِك أَيْضا عز وَجل فِي آيه أُخْرَى قد تلوناها آنِفا بِأَنَّهُ يَجْعَل أكنه على قُلُوب الْكَافرين يحول بَين قُلُوبهم وَبَين تفهم الْقُرْآن والإصاغة لبيانه وهداه وَإِن يفقهوه وَإنَّهُ جعل تَعَالَى بَينهم وَبَين قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِجَابا مَانِعا لَهُم من الْهدى وَفَسرهُ أَيْضا تَعَالَى بِأَنَّهُ ختم على قُلُوبهم وطبع عَلَيْهَا فامتنعوا بذلك من وُصُول الْهدى إِلَيْهَا وَفسّر تَعَالَى إضلال من دونه فَقَالَ تَعَالَى أَنه جعلهم أَئِمَّة يدعونَ إِلَى النَّار وَفسّر تَعَالَى أَيْضا الْقُوَّة الَّتِي أَعْطَاهَا الْمُؤمنِينَ وحرمها الْكَافرين بِأَنَّهَا تثبيت على قبُول الْحق وَأَنه تَعَالَى يشْرَح صُدُورهمْ لفهم الْحق واعتقاده وَالْعَمَل بِهِ وَأَنه صرف لكيد الشَّيْطَان ولفتنته عَنْهُم نسْأَل الله أَن يمدنا بِهَذِهِ الْعَطِيَّة وَأَن يصرف عَنَّا الإضلال بمنه وَإِن لَا يكلنا إِلَى أَنْفُسنَا فقد خَابَ وخسر من ظن فِي نَفسه أَنه قد اسْتكْمل القوى حَتَّى اسْتغنى عَن أَن يزِيدهُ الله تَعَالَى تَوْفِيقًا وعصمة وَلم يحْتَج إِلَى خالقه فِي أَن يصرف عَنهُ فتنته وَلَا كَيده لَا سِيمَا من جعل نَفسه أقوى على ذَلِك من خالقه تَعَالَى وَلم يَجْعَل عِنْد خالقه قوه يصرف بهَا عَنهُ كيد الشَّيْطَان نَعُوذ بِاللَّه مِمَّا امتحنهم بِهِ ونبرأ إِلَى الله خالقنا تَعَالَى من الْحول وَالْقُوَّة كلهَا إِلَّا مَا أَتَانَا مِنْهَا متفضلاً علينا وَأما كل مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من إضلال الشَّيَاطِين للنَّاس وإنسائهم إيَّاهُم ذكر الله تَعَالَى وتزينهم لَهُم

<<  <  ج: ص:  >  >>