الشَّرْعِيَّة كَالصَّلَاةِ فَإِن مَوْضُوع هَذِه اللَّفْظَة فِي لُغَة الْعَرَب الدُّعَاء فَقَط فأوقعها الله عز وَجل على حركات محدودة مَعْدُودَة من قيام مَوْصُوف إِلَى جِهَة مَوْصُوفَة لَا تتعدى وركوع كَذَلِك وَسُجُود كَذَلِك وقعود كَذَلِك وَذكر كَذَلِك وَقِرَاءَة كَذَلِك وَذكر كَذَلِك فِي أَوْقَات محدودة وبطهارة محدودة وبلباس مَحْدُود مَتى لم تكن على ذَلِك بطلت وَلم تكن صَلَاة وَمَا عرفت الْعَرَب قطّ شَيْئا من هَذَا كُله فضلا عَن أَن تسميه حَتَّى أَتَانَا بِهَذَا كُله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ بَعضهم أَن فِي الصَّلَاة دُعَاء فَلم يخرج الِاسْم بذلك عَن مَوْضُوعه فِي اللُّغَة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا بَاطِل لِأَنَّهُ لَا خلاف بَين أحد من الْأمة فِي أَن من أَتَى بِعَدَد الرَّكْعَات وَقَرَأَ أم الْقُرْآن وقرآناً مَعهَا فِي كل رَكْعَة وأتى بعد بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود وَالْجُلُوس وَالْقِيَام وَالتَّشَهُّد وَصلى على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم بتسليمتين فقد صلى كَمَا أَمر وَإِن لم يدع بِشَيْء أصلا وَفِي الْفُقَهَاء من يَقُول أَن من صلى خلف الإِمَام فَلم يقْرَأ أصلا وَلَا تشهد وَلَا دَعَا أصلا فقد صلى كَمَا أَمر وَأَيْضًا فَإِن ذَلِك الدُّعَاء فِي الصَّلَاة لَا يخْتَلف أحد من الْأمة فِي أَنه لَيْسَ شَيْئا وَلَا يُسمى صَلَاة أصلا عِنْد أحد من أهل الْإِسْلَام فعلى كل قد أوقع الله عز وَجل اسْم الصَّلَاة على أَعمال غير الدُّعَاء وَلَا بُد وعَلى دُعَاء مَحْدُود لم تعرفه الْعَرَب قطّ وَلَا عرفت إِيقَاع الصَّلَاة على دُعَاء بِعَيْنِه دون سَائِر الدُّعَاء وَمِنْهَا الزَّكَاة وَهِي مَوْضُوع فِي اللُّغَة للنماء وَالزِّيَادَة فأوقعها الله تَعَالَى على إِعْطَاء مَال مَحْدُود مَعْدُود من جملَة أَمْوَال مَا مَوْصُوفَة محدودة مَعْدُودَة مُعينَة دون سَائِر الْأَمْوَال لقوم محدودين فِي أَوْقَات محدودة فَإِن هُوَ تعدى شَيْئا من ذَلِك لم يَقع على فعله اسْم زَكَاة وَلم تعرف الْعَرَب قطّ هَذِه الصِّفَات وَالصِّيَام فِي لُغَة الْعَرَب الْوُقُوف تَقول صَامَ النَّهَار إِذا طَال حَتَّى صَار كَأَنَّهُ وَاقِف لطوله قَالَ امْرُؤ الْقَيْس إِذا صَامَ النَّهَار وهجرا وَقَالَ آخر وَهُوَ النَّابِغَة الذبياني ... خيل صِيَام وخيل غير صَائِمَة
تَحت العجاج وخيل تعلك اللجما ...
فأوقع الله تَعَالَى اسْم الصّيام على الِامْتِنَاع من الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع وتعمد الْقَيْء من وَقت مَحْدُود وَهُوَ تبين الْفجْر الثَّانِي إِلَى غرُوب الشَّمْس فِي أَوْقَات من السّنة محدودة فَإِن تعدى ذَلِك لم يسم صياما وَهَذَا أَمر لم تعرفه الْعَرَب قطّ فَظهر فَسَاد قَول من قَالَ أَن الْأَسْمَاء لَا تنْتَقل فِي الشَّرِيعَة عَن موضوعها فِي اللُّغَة وَصَحَّ أَن قَوْلهم هَذَا مجاهرة سمجة قبيحة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَإِذا قد وضح وجود الزِّيَادَة فِي الْإِيمَان بِخِلَاف قَول من قَالَ أَنه التَّصْدِيق فبالضرورة نَدْرِي أَن الزِّيَادَة تَقْتَضِي النَّقْص ضَرُورَة وَلَا بُد لِأَن معنى الزِّيَادَة إِنَّمَا هِيَ عدد مُضَاف إِلَى عدد وَإِذا كَانَ ذَلِك فَذَلِك الْعدَد الْمُضَاف إِلَيْهِ هُوَ بِيَقِين نَاقص عِنْد عدم الزِّيَادَة فِيهِ وَقد جَاءَ النَّص بِذكر النَّقْص وَهُوَ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَشْهُور الْمَنْقُول نقل الكواف أَنه قَالَ للنِّسَاء مَا رَأَيْت من ناقصات عقل وَدين أسلب للرجل الحازم مِنْكُن قُلْنَ يَا رَسُول الله وَمَا نُقْصَان ديننَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أَلَيْسَ تقيم الْمَرْأَة الْعدَد من الْأَيَّام والليالي لَا تَصُوم وَلَا تصلي فَهَذَا نُقْصَان دينهَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَو نقص من التَّصْدِيق شَيْء لبطل عَن أَن يكون تَصْدِيقًا لِأَن التَّصْدِيق لَا يَتَبَعَّض أصلا ولصار شكا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وهم مقرون بِأَن امْرأ لَو لم يصدق بِآيَة من الْقُرْآن أَو بِسُورَة مِنْهُ وَصدق بسائره لبطل إيمَانه فصح أَن التَّصْدِيق لَا يَتَبَعَّض أصلا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقد نَص الله عز وَجل على أَن الْيَهُود يعْرفُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم وَأَنَّهُمْ يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون}