قد اعْتقد الْمُسلمُونَ فِي أول إسْلَامهمْ أَنهم مصدقون بِكُل مَا يَأْتِيهم بِهِ نَبِيّهم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي المستأنف فَلم يزدهم نزُول الْآيَة تَصْدِيقًا لم يَكُونُوا اعتقدوه فصح أَن الْإِيمَان الَّذِي زادتهم الْآيَات إِنَّمَا هوألعمل بهَا الَّذِي لم يَكُونُوا عملوه وَلَا عرفوه وَلَا صدقُوا بِهِ قطّ وَلَا كَانَ جَائِزا لَهُم أَن يعتقدوه ويعملوا بِهِ بل كَانَ فرضا عَلَيْهِم تَركه والتكذيب بِوُجُوبِهِ وَالزِّيَادَة لَا تكون إِلَّا فِي كمية عدد لَا فِيمَا سواهُ وَلَا عدد للاعتقاد وَلَا كمية وَإِنَّمَا الكمية وَالْعدَد فِي الْأَعْمَال والأقوال فَقَط فَإِن قَالُوا أَن تلاوتهم لَهَا زِيَادَة إِيمَان قُلْنَا صَدقْتُمْ وَهَذَا هُوَ قَوْلنَا والتلاوة عمل بجارحة اللِّسَان لَيْسَ إِقْرَارا بالمعتقد وَلكنه من نوع الذّكر بالتسبيح والتهليل وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} وَلم يزل أهل الْإِسْلَام قبل الْجَهْمِية والأشعرية والكرامية وَسَائِر المرجئة مُجْمِعِينَ على أَنه تَعَالَى إِنَّمَا عَنى بذلك صلَاتهم إِلَى بَيت الْمُقَدّس قبل أَن ينْسَخ بِالصَّلَاةِ إِلَى الْكَعْبَة وَقَالَ عز وَجل {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} وَقَالَ عز وَجل {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين حنفَاء ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة وَذَلِكَ دين الْقيمَة} فنص تَعَالَى على أَن عبَادَة الله تَعَالَى فِي حَال إخلاص الدّين لَهُ تَعَالَى وَأقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة الواردتين فِي الشَّرِيعَة كُله دين الْقيمَة وَقَالَ تَعَالَى {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين} فنص تَعَالَى على أَن الدّين هُوَ الْإِسْلَام وَنَصّ قبل على أَن الْعِبَادَات كلهَا وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة هِيَ الدّين فأنتج ذَلِك يَقِينا أَن الْعِبَادَات هِيَ الدّين وَالدّين هُوَ الْإِسْلَام فالعبادات كلهَا هن الْإِسْلَام وَقَالَ عز وَجل {يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا قل لَا تمنوا عَليّ إسلامكم بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للْإيمَان إِن كُنْتُم صَادِقين} وَقَالَ تَعَالَى {فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من الْمُؤمنِينَ فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين} فَهَذَا نَص جلي على أَن الْإِسْلَام هُوَ الْإِيمَان وَقد وَجب قبل بِمَا ذكرنَا أَن أَعمال الْبر كلهَا هِيَ الْإِسْلَام وَالْإِسْلَام هُوَ الْإِيمَان فأعمال الْبر كلهَا إِيمَان وَهَذَا برهَان ضَرُورِيّ لَا محيد عَنهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَقَالَ تَعَالَى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجاً مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} فنص تَعَالَى وَأقسم بفسه أَن لَا يكون مُؤمنا إِلَّا بتحكيم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل ماعن ثمَّ يسلم بِقَلْبِه وَلَا يجد فِي نَفسه حرجاً مِمَّا قضى فصح أَن التَّحْكِيم شَيْء غير التَّسْلِيم بِالْقَلْبِ وَأَنه هُوَ الْإِيمَان الَّذِي لَا إِيمَان لمن لم يَأْتِ بِهِ فصح يَقِينا أَن الْإِيمَان اسْم وَاقع على الْأَعْمَال فِي كل مَا فِي الشَّرِيعَة وَقَالَ تَعَالَى {وَيَقُولُونَ نؤمن بِبَعْض ونكفر بِبَعْض ويريدون أَن يتخذوا بَين ذَلِك سَبِيلا أُولَئِكَ هم الْكَافِرُونَ حَقًا} فصح أَن لَا يكون التَّصْدِيق مُطلقًا إِيمَانًا إِلَّا حَتَّى يستضيف إِلَيْهِ مَا نَص الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَمِمَّا يتَبَيَّن أَن الْكفْر يكون بالْكلَام قَول الله تَعَالَى {وَدخل جنته وَهُوَ ظَالِم لنَفسِهِ قَالَ مَا أَظن أَن تبيد هَذِه أبدا وَمَا أَظن السَّاعَة قَائِمَة وَلَئِن رددت إِلَى رَبِّي لأجدن خيرا مِنْهَا منقلباً قَالَ لَهُ صَاحبه وَهُوَ يحاوره أكفرت بِالَّذِي خلقك من تُرَاب ثمَّ من نُطْفَة ثمَّ سواك رجلا} إِلَى قَوْله {يَا لَيْتَني لم أشرك بربي أحدا} فَأثْبت الله لَهُ الشّرك وَالْكفْر مَعَ إِقْرَاره بربه تَعَالَى إِذْ شكّ فِي الْبَعْث وَقَالَ تَعَالَى {أفتؤمنون بِبَعْض الْكتاب وتكفرون بِبَعْض} فصح أَن من آمن بِبَعْض الدّين وَكفر بِشَيْء مِنْهُ فَهُوَ كَافِر مَعَ صِحَة تَصْدِيقه لما صدق من ذَلِك
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأكْثر الْأَسْمَاء الشَّرْعِيَّة فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة من عِنْد الله تَعَالَى على مسميات لم يعرفهَا الْعَرَب قطّ هَذَا أَمر لَا يجهله أحد من أهل الأَرْض فَمن يدْرِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة ويدري الْأَسْمَاء