إِلَّا أَنه لَيْسَ شَيْء بممتنع أصلا فصح بِمَا ذكرنَا أَن أول الْخَبَر خَاص كَمَا وَصفنَا وَأَن نَهْيه عَن الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات قصَّة أُخْرَى وَقَضِيَّة ثَانِيَة وَحكم غير الأول فَهُوَ على عُمُومه فِي كل زمَان وكل مَكَان إِلَّا مَا قَامَ الْبُرْهَان على تَخْصِيصه من هَذَا الحكم بِنَصّ آخر كَمَا بَينا فِي غير هَذَا الْكتاب فِي كتب الصَّلَاة من تآليفنا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين كثيرا
الْكَلَام فِي الطبائع
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ذهبت الأشعرية إِلَى إِنْكَار الطبائع جملَة وَقَالُوا لَيْسَ فِي النَّار حر وَلَا فِي الثَّلج برد وَلَا فِي الْعَالم طبيعة أصلا وَقَالُوا إِنَّمَا حدث حر النَّار جملَة وَبرد الثَّلج عِنْد الْمُلَامسَة قَالُوا وَلَا فِي الْخمر طبيعة إسكار وَلَا فِي الْمَنِيّ قُوَّة يحدث بهَا حَيَوَان وَلَكِن الله عز وَجل يخلق مِنْهُ مَا شَاءَ وَقد كَانَ مُمكنا أَن يحدث من مني الرِّجَال جملا وَمن مني الْحمار إنْسَانا وَمن زويعة الكزبر نخلا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد مَا نعلم لَهُم حجَّة شغبوا بهَا فِي هَذَا الهوس أصلا وَقد ناظرت بَعضهم فِي ذَلِك فَقلت لَهُ إِن اللُّغَة الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن تبطل قَوْلكُم لِأَن من لُغَة الْعَرَب الْقَدِيمَة ذكر الطبيعة والخليقة والسليقة والنحيزة والغريزة والسجية والسيمة والجبلة بِالْجِيم وَلَا يشك ذُو علم فِي أَن هَذِه الْأَلْفَاظ اسْتعْملت فِي الْجَاهِلِيَّة وسمعها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم ينكرها قطّ وَلَا أنكرها أحد من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَلَا وَلَا أحد مِمَّن بعدهمْ حَتَّى حدث من لَا يعْتد بِهِ وَقد قَالَ امْرُؤ الْقَيْس ... وَإِن كنت قد سائتك مني خَلِيقَة
وَقَالَ حميد بن ثَوْر الْهِلَالِي الْكِنْدِيّ ... لكل امْرِئ يَا أم عَمْرو طبيعة
وتفرق مَا بَين الرِّجَال الطبائع ...
وَقَالَ النَّابِغَة ... لَهُم سيمة لم يُعْطهَا الله غَيرهم
من الْجُود والأحلام غير عوازب ...
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للجارود إِذا أخبرهُ أَن فِيهِ الْحلم والأناة فَقَالَ لَهُ الْجَارُود الله جبلني عَلَيْهِمَا يَا رَسُول الله أم هما كسب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل الله جبلك عَلَيْهِمَا وَمثل هَذَا كثير وكل هَذِه الْأَلْفَاظ أَسمَاء مترادفة بِمَعْنى وَاحِد عِنْدهم وَهُوَ قُوَّة فِي الشَّيْء يُوجد بهَا على مَا هُوَ عَلَيْهِ فاضطرب ولجأ إِلَى أَن قَالَ أَقُول بِهَذَا فِي النَّاس خَاصَّة فَقلت لَهُ وَأَنِّي لَك بالتخصيص وَهَذَا مَوْجُود بالحس وببديهة الْعقل فِي كل مَخْلُوق فِي الْعَالم فَلم يكن عِنْده تمويه
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا الْمَذْهَب الْفَاسِد حداهم على أَن سموا مَا تَأتي بِهِ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام من الْآيَات المعجزات خرق الْعَادة لأَنهم جعلُوا امْتنَاع شقّ الْقَمَر وشق الْبَحْر وَامْتِنَاع إحْيَاء الْمَوْتَى وَإِخْرَاج نَاقَة من صَخْرَة وَسَائِر معجزاتهم إِنَّمَا هِيَ عادات فَقَط
قَالَ أَبُو مُحَمَّد معَاذ الله من هَذَا وَلَو كَانَ ذَلِك عَادَته لما كَانَ فِيهَا إعجاز أصلا لِأَن الْعَادة فِي لُغَة الْعَرَب والدأب وَالدّين والديدن والهجيري أَلْفَاظ مترادفة على معنى وَاحِد وَهِي فِي أَكثر اسْتِعْمَال الْإِنْسَان لهل ننل لَا يُؤمن تَركه إِيَّاه وَلَا يُنكر زَوَاله عَنهُ بل هُوَ مُمكن وجود غَيره وَمثله بِخِلَاف الطبيعة الَّتِي الْخُرُوج عَنْهَا مُمْتَنع فالعادة فِي اسْتِعْمَال الْعَرَب الْعَامَّة التلحي وَحمل الْقَنَاة تحمل بعض النَّاس القلنسوة وكاستعمال بَعضهم حلق الشّعْر وَبَعْضهمْ توفيره