للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِيهِ مِنْهُ شيءٌ من يُخَالِفهُ ويعصيه فِي الحكم الَّذِي ورد فِيهِ من اسْتِحْسَان قِرَاءَة قل هُوَ الله أحد فِي كل رَكْعَة مَعَ سُورَة أُخْرَى فلهذه الفضائح فلتعجب أهل الْعُقُول وَأما الصّفة الَّتِي يطلقونهم فَإِنَّمَا هِيَ فِي اللُّغَة وَاقعَة على عرض فِي جَوْهَر لَا على غير ذَلِك أصلا وَقد قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ} فَأنْكر تَعَالَى إِطْلَاق الصِّفَات جملَة فَبَطل تمويه من موه بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور ليستحل بذلك مَا لَا يحل من إِطْلَاق لَفْظَة الصِّفَات حَيْثُ لم يَأْتِ بإطلاقها فِيهِ نَص وَلَا إِجْمَاع أصلا وَلَا أثر عَن السّلف وَالْعجب من اقتصارهم على لَفْظَة الصِّفَات ومنعهم من القَوْل بِأَنَّهَا نعوت وسمات وَلَا فرق بَين هَذِه الْأَلْفَاظ لَا فِي لُغَة وَلَا فِي معنى وَلَا فِي نَص وَلَا فِي إِجْمَاع

القَوْل فِي الْمَكَان والاستواء

قَالَ أَبُو مُحَمَّد ذهبت الْمُعْتَزلَة إِلَى أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كل مَكَان وَاحْتَجُّوا بقول الله تَعَالَى {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} وَقَوله تَعَالَى {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} وَقَوله تَعَالَى {وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم وَلَكِن لَا تبصرون}

قَالَ أَبُو مُحَمَّد قَول الله تَعَالَى يجب حمله على ظَاهره مَا لم يمْنَع من حمله على ظَاهره نَص آخر أَو إِجْمَاع أَو ضَرُورَة حس وَقد علمنَا أَن كل مَا كَانَ فِي مَكَان فَإِنَّهُ شاغل لذَلِك الْمَكَان وَمَالِي لَهُ ومتشكل بشكل الْمَكَان وَالْمَكَان متشكل بشكله وَلَا بُد من أحد الْأَمريْنِ ضَرُورَة وَعلمنَا أَن مَا كَانَ فِي مَكَان فَإِنَّهُ متناه بتناهي مَكَانَهُ وَهُوَ ذُو جِهَات سِتّ أَو خمس متناهية فِي مَكَانَهُ وَهَذِه كلهَا صِفَات الْجِسْم فَلَمَّا صَحَّ مَا ذكرنَا علمنَا أَن قَوْله تَعَالَى {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} {وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم} وَقَوله تَعَالَى {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} إِنَّمَا هُوَ التَّدْبِير لذَلِك والإحاطة بِهِ فَقَط ضَرُورَة لانْتِفَاء مَا عدا ذَلِك وَأَيْضًا فَإِن قَوْلهم فِي كل مَكَان خطأ لِأَنَّهُ يلْزم بِمُوجب هَذَا القَوْل أَنه يمْلَأ الْأَمَاكِن كلهَا وَأَن يكون مَا فِي الْأَمَاكِن فِيهِ الله تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَهَذَا محَال فَإِن قَالُوا هُوَ فِيهَا بِخِلَاف كَون المتمكن فِي الْمَكَان قيل لَهُم هَذَا لَا يعقل وَلَا يقوم عَلَيْهِ دَلِيل وَقد قُلْنَا أَنه لَا يجوز إِطْلَاق اسْم على غير مَوْضُوعه فِي اللُّغَة إِلَّا أَن يَأْتِي بِهِ نَص فيقف عِنْده وندري حِينَئِذٍ أَنه مَنْقُول إِلَى ذَلِك الْمَعْنى الآخر وَإِلَّا فَلَا فَإذْ قد صَحَّ مَا قد ذكرنَا فَلَا يجوز أَن يُطلق القَوْل بِأَن الله تَعَالَى فِي كل مَكَان لَا على تَأْوِيل وَلَا غَيره لِأَنَّهُ حكم بِأَنَّهُ تَعَالَى فِي الْأَمْكِنَة لَكِن يُطلق القَوْل بِأَنَّهُ تَعَالَى مَعنا فِي كل مَكَان وَيكون قَوْلنَا حينئذٍ فِي كل مَكَان إِنَّمَا هُوَ من صلَة الضَّمِير الَّذِي هُوَ النُّون وَالْألف اللَّذَان فِي مَعنا لَا مِمَّا يخبر بِهِ عَن الله تَعَالَى وَهَذَا هُوَ معنى قَوْله {هُوَ مَعَهم أَيْن مَا كَانُوا} وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم وَذهب قوم إِلَى أَن الله تَعَالَى فِي مَكَان دون مَكَان وَقَوْلهمْ هَذَا يفْسد بِمَا ذكرنَا آنِفا وَلَا فرق وَاحْتج هَؤُلَاءِ بقوله تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى}

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقد تَأَول الْمُسلمُونَ فِي هَذِه الْآيَة تأويلات أَرْبَعَة أَحدهَا قَول المجسمة وَقد

<<  <  ج: ص:  >  >>