إِلَى الْعبارَة عَمَّا يُرِيدُونَ إِلَّا بِهِ وَهَذَا مَعْهُود من القَوْل أَن يَقُول الْقَائِل نفس الشَّيْء وَحَقِيقَته يُرَاد بذلك الشَّيْء لَا مَا سواهُ وَكَذَلِكَ القَوْل فِي الذَّات وَلَا فرق فَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا أعلم مَا فِي نَفسك إِنَّمَا مَعْنَاهُ بِلَا شكّ وَلَا أعلم مَا عنْدك وَمَا فِي عَلَيْك وَصَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أخبر أَن الله تَعَالَى ينزل كل لَيْلَة إِذا بَقِي ثلث اللَّيْل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فعل يَفْعَله الله تَعَالَى فِي سَمَاء الدُّنْيَا من الْفَتْح لقبُول الدُّعَاء وَإِن تِلْكَ السَّاعَة من مظان الْقبُول والإجابة وَالْمَغْفِرَة للمجتهدين والمستغفرين والتائبين وَهَذَا مَعْهُود فِي اللُّغَة تَقول نزل فلَان عَن حَقه بِمَعْنى وهبه لي وتطول بِهِ عَليّ وَمن الْبُرْهَان على أَنه صفة فعل لَا صفة ذَات أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علق التنزل الْمَذْكُور بِوَقْت محدد فصح أَنه فعل مُحدث فِي ذَلِك مفعول حينئذٍ وَقد علمنَا أَن مَا لم يزل فَلَيْسَ مُتَعَلقا بِزَمَان الْبَتَّةَ وَقد بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث الْمَذْكُور مَا ذَلِك الْفِعْل وَهُوَ أَنه ذكر عَلَيْهِ السَّلَام أَن الله يَأْمر مَالِكًا يُنَادي فِي ذَلِك الْوَقْت بذلك وَأَيْضًا فَإِن ثلث اللَّيْل مُخْتَلف فِي الْبِلَاد باخْتلَاف الْمطَالع والمغارب يعلم ذَلِك ضَرُورَة من بحث عَنهُ فصح ضَرُورَة أَنه فعل يَفْعَله رَبنَا تَعَالَى فِي ذَلِك الْوَقْت لأهل كل أفق وَأما من جعل ذَلِك نقلة فقد قدمنَا بطلَان قَوْله فِي إبِْطَال القَوْل بالجسم بعون الله وتأييده وَلَو انْتقل تَعَالَى لَكَانَ محدوداً مخلوقاً مؤلفاً شاغلاً لمَكَان وَهَذِه صفة المخلوقين تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَقد حمد الله إِبْرَاهِيم خَلِيله وَرَسُوله وَعَبده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ بَين لِقَوْمِهِ بنقلة الْقَمَر أَنه لَيْسَ رَبًّا فَقَالَ {فَلَمَّا أفل قَالَ لَا أحب الآفلين} وكل منتقل عَن مَكَان فَهُوَ آفل عَنهُ تَعَالَى الله عَن هَذَا وَكَذَلِكَ القَوْل فِي قَوْله تَعَالَى {وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} وَقَوله تَعَالَى {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة وَقضي الْأَمر} فَهَذَا كُله على مَا بَينا من أَن الْمَجِيء والإتيان يَوْم الْقِيَامَة فعل يَفْعَله الله تَعَالَى فِي ذَلِك الْيَوْم يُسمى ذَلِك الْفِعْل مجيئاً وإتياناً وَقد روينَا عَن أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله أَنه قَالَ وَجَاء رَبك إِنَّمَا مَعْنَاهُ وَجَاء أَمر رَبك
قَالَ أَبُو مُحَمَّد لَا تعقل الصّفة وَالصِّفَات فِي اللُّغَة الَّتِي بهَا نزل بهَا الْقُرْآن وَفِي سَائِر اللُّغَات وَفِي وجود الْعقل وَفِي ضَرُورَة الْحس إِلَّا أعراضاً مَحْمُولَة فِي الموصوفين فَإِذا جوزوها غير أَعْرَاض بِخِلَاف الْمَعْهُود فقد تحكموا بِلَا دَلِيل إِذْ إِنَّمَا يُصَار إِلَى مثل هَذَا فِيمَا ورد بِهِ نَص وَلم يرد قطّ نَص بِلَفْظ الصِّفَات وَلَا بِلَفْظ الصّفة فَمن الْمحَال أَن يُؤْتى بِلَفْظ لَا نَص فِيهِ يعبر بِهِ عَن خلاف الْمَعْهُود وَقَالَ تَعَالَى {للَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة مثل السوء وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} ثمَّ قَالَ تَعَالَى {فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال إِن الله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ} فَلَو ذكرُوا الْأَمْثَال مَكَان الصِّفَات لذكر الله تَعَالَى لَفْظَة الْمثل لَكَانَ أولى ثمَّ قد بَين الله تَعَالَى غَايَة الْبَيَان فَقَالَ فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال وَقد أخبر الله تَعَالَى بِأَن لَهُ الْمثل الْأَعْلَى فصح ضَرُورَة أَنه لَا يضْرب لَهُ مثل إِلَّا مَا أخبر بِهِ تَعَالَى فَقَط وَلَا يحل أَن يُزَاد على ذَلِك سيء أصلا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
الْكَلَام فِي المائية
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ذهب طوائف من الْمُعْتَزلَة إِلَى أَن الله تَعَالَى لَا مائية لَهُ وَذهب أهل السّنة وَضِرَار بن عَمْرو إِلَى إِن لله تَعَالَى مائية قَالَ ضرار لَا يعلمهَا غَيره
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute