للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واضحان أَحدهمَا أَن الْقَوْم يأمرون باعتقاد أَقْوَالهم وتصديقهم قبل أَن يعرفوا براهينهم وَنحن لَا نَفْعل هَذَا بل ندعوا إِلَى معرفَة الْبَرَاهِين وتصحيحها قبل أَن نصدق فِيمَا نقُول وَالثَّانِي أَن الْقَوْم يكتمون أَقْوَالهم وبراهينهم مَعًا وَلَا يبيحونها للسبر وَالنَّظَر وَنحن نهتف بأقوالنا وبراهيننا لكل أحد وندعوا إِلَى سبرها وتقبيسها وَأَخذهَا إِن صحت ورفضها إِن لم تصح وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ولسنا نقُول إننا لَا نقدر أَن نحد براهيننا بِحَدّ جَامع مُبين لَهَا بل نقدر على ذَلِك وَهُوَ أَن الْبُرْهَان المفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل فِي كل مَا اخْتلفُوا فِيهِ أَن يرجع رُجُوعا صَحِيحا متيقناً إِلَى الْحَواس أَو إِلَى الْعقل من قرب أَو من بعد رُجُوعا صَحِيحا لَا يحْتَمل وَلَا يُمكن فِيهِ إِلَّا ذَلِك الْعَمَل فَهُوَ برهَان وَهُوَ حق مُتَيَقن وَإِن لم يرجع كَمَا ذكرنَا إِلَى الْحَواس أَو إِلَى الْعقل فَلَيْسَ برهاناً وَلَا يَنْبَغِي أَن تشتغل بِهِ فَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى كَاذِبَة وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَبِهَذَا سقط الْقيَاس والتقليد لِأَنَّهُ لَا يقدر الْقَائِلُونَ بهما على برهَان فِي تصحيحهما يرجع إِلَى الْحَواس أَو إِلَى أول الْعقل رُجُوعا متيقناً

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَنحن نقُول قولا كَافِيا بعون الله وقوته وَهُوَ أَن أول كل مَا اخْتلفت فِيهِ من غير الشَّرِيعَة وَمن تَصْحِيح حُدُوث الْعَالم وَأَن لَهُ مُحدثا وَاحِدًا لم يزل وَمن تَصْحِيح النُّبُوَّة ثمَّ تَصْحِيح نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن براهين كل ذَلِك رَاجِعَة رُجُوعا صَحِيحا ضَرُورِيًّا إِلَى الْحَواس وضرورة الْعقل فَمَا لم يكن كَذَا فَلَيْسَ بِشَيْء وَلَا هُوَ برهاناً وَإِن كَانَ مَا اخْتلف فِيهِ من الشَّرِيعَة بعد صِحَة جملها فَإِن براهين كل ذَلِك رَاجِعَة إِلَى مَا أخبر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الله تَعَالَى إِذْ هُوَ الْمَبْعُوث إِلَيْنَا بالشريعة فَمَا لم يكن هَكَذَا فَلَيْسَ برهاناً وَلَا هُوَ شَيْئا وَفِي أول ديواننا هَذَا بَاب فِي مَاهِيَّة الْبَرَاهِين الموصلة إِلَى معرفَة الْحَقِيقَة فِي كل مَا اخْتلف النَّاس فِيهِ فَإِذا أضيف إِلَى هَذَا ارْتَفع الْإِشْكَال وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

الْكَلَام فِي الألوان

قَالَ أَبُو مُحَمَّد الأَرْض غبراء وفيهَا حَمْرَاء وفيهَا بَيْضَاء وصفراء وخضراء وسوداء وموشاة وَالْمَاء كُله أَبيض إِلَّا أَن يكْتَسب لوناً بِمَا استضاف إِلَيْهِ لفرط صفائه فيكتسى لون إنائه أَو مَا هُوَ فِيهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنه أَبيض لبراهين

أَحدهَا أَنه إِذا صب فِي الْهَوَاء بهرق ظهر أَبيض صافي الْبيَاض

وَالثَّانِي فِي أَنه جمد فَصَارَ ثلجاً أَو بردا ظهر أَبيض شَدِيد الْبيَاض وَأما الْهَوَاء فَلَا لون لَهُ أصلا وَلذَلِك لَا يرى لِأَنَّهُ لَا يرى إِلَّا اللَّوْن وَقد زعم قوم أَنه إِنَّمَا لَا يرى لَا نطباقه على الْبَصَر وَهَذَا فَاسد جدا وبرهان ذَلِك أَن الْمَرْء يغوص فِي المَاء الصافي وَيفتح عَيْنَيْهِ فِيهِ فَيرى المَاء وَهُوَ منطبق على بَصَره لَا حَائِل بَينهمَا لَا يرى الْهَوَاء فِي تِلْكَ الْحَال وَإِن استلقي على ظَهره فِي المَاء وَهَذَا أَمر مشَاهد وَأما الَّذِي يرى عِنْد دُخُول خطّ ضِيَاء الشَّمْس من كوَّة فَإِنَّمَا هُوَ أَن الْأَجْسَام تنْحَل مِنْهَا أبدا أَجزَاء صغَار وَهِي الَّتِي تسمي الهباء فَإِذا انحصر خطّ ضِيَاء الشَّمْس وَقع الْبَصَر على تِلْكَ الْأَجْزَاء الصغار وَهِي متكاثفة جدا ولونها الغبرة فَهِيَ الَّتِي ترى لأما سواهَا وَمن تَأمل هَذَا عرفه يَقِينا وَإِن الْبيُوت مَمْلُوءَة من هَذَا الضياء المنحل من لأرض وَالثيَاب والأبدان وَسَائِر الأجرام وَلَكِن لدقتها لَا ترى إِلَّا أَن انحصر خطّ الشَّمْس فَيرى مَا فِي ذَلِك الانحصار مِنْهَا فَقَط وَأما النَّار فَلَا ترى أَيْضا لِأَنَّهُ لَا لون لَهَا فِي فلكها وَأم المرئية عندنَا فِي الْحَطب والفتيلة وَسَائِر مَا يَحْتَرِق فَإِنَّمَا هِيَ رطوبات ذَلِك المحترق يَسْتَحِيل هَوَاء فِيهِ نارية فتكتسب ألوانا بمقدارما تعطيها طبيعتها فتراها خضراء وَلَا وردية وحمراء وبيضاء وصفراء وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَهَذَا يعرض للرطوبات الْمُتَوَلد مِنْهَا دَائِرَة قَوس قزَح

<<  <  ج: ص:  >  >>