{فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيها أَو ضَعِيفا} الْآيَة فصح أَن السَّفِيه والضعيف وَمن لَا يقدر على شَيْء فَلَا بُد لَهُ من ولي وَمن لَا بُد لَهُ من ولي فَلَا يجوز أَن يكون وليا للْمُسلمين فصح أَن ولَايَة من لم يستكمل هَذِه الشُّرُوط الثَّمَانِية بَاطِل لَا يجوز وَلَا ينْعَقد أصلا ثمَّ يسْتَحبّ أَن يكون عَالما بِمَا يَخُصُّهُ أُمُور الدّين من الْعِبَادَات والسياسة وَالْأَحْكَام مُؤديا لفرائض كلهَا لَا يخل بِشَيْء مِنْهَا مجتنباً لجَمِيع الْكَبَائِر سرا وجهراً مستتراً بالصغائر إِن كَانَت مِنْهُ فَهَذِهِ أَربع صِفَات يكره الْمَرْء أَن يَلِي الْأمة من لم ينتظمها فَإِن ولي فولايته صَحِيحَة ونكرهها وطاعته فِيمَا أطَاع الله فِيهِ وَاجِبَة وَمنعه مِمَّا لم يطع الله فِيهِ وَاجِب والغاية المأهولة فِيهِ أَن يكون رَفِيقًا بِالنَّاسِ فِي غير ضعف شَدِيدا فِي إِنْكَار الْمُنكر من غير عف وَلَا تجَاوز للْوَاجِب مستيقظاً غير غافل شُجَاع النَّفس غير مَانع لِلْمَالِ فِي حَقه وَلَا مبذر لبه فِي غير حَقه وَيجمع هَذَا كُله أَن يكون الإِمَام قَائِما بِأَحْكَام الْقُرْآن وَسنَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَذَا يجمع كل فَضِيلَة
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَلَا يضر الإِمَام أَن يكون فِي خلقه عيب كالأعمى والأصم والأجدع والأجذم وَالَّذِي لَا يدان لَهُ وَلَا رجلَانِ وَمن بلغ الْهَرم مَا دَامَ يعقل وَلَو أَنه ابْن مائَة عَام وَمن يعرض لَهُ الصرع ثمَّ يفِيق وَمن بُويِعَ أثر بُلُوغه الْحلم وَهُوَ مستوف لشروط الْإِمَامَة فَكل هَؤُلَاءِ إمامتهم جَائِزَة إِذْ لم يمْنَع مِنْهَا نَص قُرْآن وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع وَلَا نظر وَلَا دَلِيل أصلا بل قَالَ تَعَالَى {كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ} فَمن قَامَ بِالْقِسْطِ فقد ادى مَا أَمر بِهِ وَلَا خلاف بَين أحد من أهل الْإِسْلَام فِي أَنه لَا يجوز التَّوَارُث فِيهَا وَلَا فِي أَنَّهَا لَا تجوز لمن لم يبلغ حاشا الروافض فَإِنَّهُم أَجَازُوا كلا الْأَمريْنِ وَلَا خلاف بَين أحد فِي أَنَّهَا لَا تجوز لامْرَأَة وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد
الْكَلَام فِي عقد الْإِمَامَة بِمَاذَا تصح
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) ذهب قوم إِلَى أَن الْإِمَامَة لَا تصح إِلَّا بِإِجْمَاع فضلاء الْأمة فِي أقطار الْبِلَاد وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَن الْإِمَامَة إِنَّمَا تصح بِعقد أهل حَضْرَة الإِمَام والموضع الَّذِي فِيهِ قَرَار الْأَئِمَّة وَذهب أَبُو عَليّ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الجبائي إِلَى أَن الإِمَام لَا تصح بِأَقَلّ من عقد خمس رجال وَلم يَخْتَلِفُوا فِي أَن عقد الْإِمَامَة تصح بِعَهْد من الإِمَام الْمَيِّت إِذا قصد فِيهِ حسن الِاخْتِيَار للْأمة عِنْد مَوته وَلم يقْصد بذلك هوي وَقد ذكر فِي فَسَاد قَول الروافض وَقَول الكيسانية وَمن ادّعى إِمَامَة رجل بِعَيْنِه وأنبأ أَن كل ذَلِك دَعَا وَلَا يعجز عَنْهَا ذُو لِسَان إِذا لم يتق الله وَلَا استحياء من النَّاس إِذْ لَا دَلِيل على شَيْء مِنْهَا
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) أما من قَالَ أَن الْإِمَامَة لَا تصح إِلَّا بِعقد فضلاء الْأمة فِي أقطار الْبِلَاد فَبَاطِل لِأَنَّهُ تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق وَمَا لَيْسَ فِي الوسع وَمَا هُوَ أعظم الْحَرج وَالله تَعَالَى لَا يُكَلف نفسا وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج}
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَلَا حرج وَلَا تعجيز أَكثر من تعرف إِجْمَاع فضلاء من فِي المولتان والمنصورة إِلَى بِلَاد مهرَة إِلَى عدن إِلَى أقاصي المصامدة بل طنجة إِلَى الأشبونة إِلَى جزائر الْبَحْر إِلَى سواحل الشَّام إِلَى أرمينية وجبل القبج إِلَى اسينجاب وفرغانة واسروسنه إِلَى أقاصي خُرَاسَان إِلَى الْجَوْز جَان إِلَى كابل المولتان فَمَا بَين ذَلِك من المدن والقرى وَلَا بُد من ضيَاع أُمُور الْمُسلمين قبل أَن يجمع جُزْء من مائَة جُزْء من فضلاء أهل هَذِه الْبِلَاد فَبَطل هَذَا القَوْل الْفَاسِد مَعَ أَنه لَو كَانَ مُمكنا لما لزم لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا برهَان وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} و {كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute