بعد الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم إِلَّا بِالظَّنِّ وَالْحكم بِالظَّنِّ لَا يحل قَالَ الله تَعَالَى ذاماً لقوم {إِن نظن إِلَّا ظنا وَمَا نَحن بمستيقنين} وَقَالَ تَعَالَى {مَا لَهُم بذلك من علم إِن هم إِلَّا يخرصون} وَقَالَ تَعَالَى {قتل الخراصون} وَقَالَ تَعَالَى {إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَمَا تهوى الْأَنْفس وَلَقَد جَاءَهُم من رَبهم الْهدى أم للْإنْسَان مَا تمنى} وَقَالَ تَعَالَى {إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَإِن الظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا} وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث وَأَيْضًا فإننا وجدنَا النَّاس يتباينون فِي الْفَضَائِل فَيكون الْوَاحِد أزهد وَيكون الْوَاحِد أورع وَيكون الآخر أسوس وَيكون الرَّابِع أَشْجَع وَيكون الْخَامِس أعلم وَقد يكونُونَ متقاربين فِي التَّفَاضُل لَا يبين التَّفَاوُت بَينهم فَبَطل معرفَة الْأَفْضَل وَصَحَّ أَن هَذَا القَوْل فَاسد وتكليف مَا لَا يُطَاق وإلزام مَا لَا يُسْتَطَاع وَهَذَا بَاطِل لَا يحل وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ثمَّ قد وجدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قلد النواحي وَصرف تَنْفِيذ جَمِيع الْأَحْكَام الَّتِي تنفذها الْأَئِمَّة إِلَى قوم كَانَ غَيرهم بِلَا شكّ أفضل مِنْهُم فَاسْتعْمل على أَعمال الْيمن معَاذ بن جبل وَأَبا مُوسَى وخَالِد بن الْوَلِيد وَعلي عمان عَمْرو بن الْعَاصِ وعَلى نَجْرَان أَبَا سُفْيَان وعَلى مَكَّة عتاب ابْن أسيد وعَلى الطَّائِف عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وعَلى الْبَحْرين الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ وَلَا خلاف فِي أَن أَبَا بكر وَعَمْرو وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر بن عمار بن يَاسر وَسعد بن أبي وَقاص وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبا عُبَيْدَة وَابْن مَسْعُود وبلال وَأَبا ذَر أفضل مِمَّن ذكرنَا فصح يَقِينا أَن الصِّفَات الَّتِي يسْتَحق بهَا الْإِمَامَة والخلافة لَيْسَ مِنْهَا التَّقَدُّم فِي الْفضل وَأَيْضًا فَإِن الْفَضَائِل كَثِيرَة جدا مِنْهَا الْوَرع والزهد وَالْعلم والشجاعة والسخاء والحلم والعفة وَالصَّبْر والصرامة وَغير ذَلِك وَلَا يُوجد أحد يبين فِي جَمِيعهَا بل يكون بَائِنا فِي بَعْضهَا ومتأخراً فِي بَعْضهَا فَفِي أَيهَا يُرَاعِي الْفضل من لَا يُجِيز إِمَامَة الْمَفْضُول فَإِن اقْتصر على بَعْضهَا كَانَ مُدعيًا بِلَا دَلِيل وَإِن عَم جَمِيعهَا كلف من لَا سَبِيل إِلَى وجوده أبدا فِي أحد بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإذْ لَا شكّ فِي ذَلِك فقد صَحَّ القَوْل فِي إِمَامَة الْمَفْضُول وَبَطل قَول من قَالَ غير ذَلِك وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَذكر الباقلاني فِي شُرُوط الْإِمَامَة أَنَّهَا أحد عشر شرطا وَهَذَا أَيْضا دَعْوَى بِلَا برهَان وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِل فَوَجَبَ أَن ينظر فِي شُرُوط الْإِمَامَة الَّتِي لَا تجوز الْإِمَامَة لغير من هن فِيهِ فَوَجَدْنَاهَا أَن يكون صليبة من قُرَيْش لإخبار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْإِمَامَة فيهم وَأَن يكون بَالغا مُمَيّزا لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث فَذكر الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم وَالْمَجْنُون حَتَّى يفِيق وَأَن يكون رجلا لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يفلح قوم أسندوا أَمرهم إِلَى امْرَأَة وَأَن يكون مُسلما لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} والخلافة أعظم السَّبِيل ولأمره تَعَالَى باصغار أهل الْكتاب وَأَخذهم بأَدَاء الْجِزْيَة وَقتل من لم يكن من أهل الْكتاب حَتَّى يسلمُوا وَأَن يكون مُتَقَدما لأَمره عَالما بِمَا يلْزمه من فَرَائض الدّين متقياً لله تَعَالَى بِالْجُمْلَةِ غير معلن بِالْفَسَادِ فِي الأَرْض لقَوْل الله تَعَالَى {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان} لِأَن من قدم من لَا يَتَّقِي الله عز وَجل وَلَا فِي شَيْء من الْأَشْيَاء مُعْلنا بِالْفَسَادِ فِي الأَرْض غير مَأْمُون أَو من لَا ينفذ أمرا من لَا يدْرِي شَيْئا من دينه فقد أعَان على الْإِثْم والعدوان وَلم يعن على الْبر وَالتَّقوى وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عمل عملا لَيْسَ عَلَيْهِ أمرنَا فَهُوَ ورد وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام يَا أَبَا ذَر إِنَّك ضَعِيف لَا تأمرن على اثْنَيْنِ وَلَا تولين مَال يَتِيم وَقَالَ تَعَالَى