مَا كَانَ من الْمعاصِي فِيهِ حد كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْقَذْف فَلَيْسَ فَاعله كَافِرًا وَلَا مُؤمنا وَلَا منافقاً وَأما مَا كَانَ من الْمعاصِي لَا حد فِيهِ فَهُوَ كَافِر وفاعله وَقَالَت الحفصية وهم أَصْحَاب حَفْص بن ابي الْمِقْدَام من الأباضية من عرف الله تَعَالَى وَكفر بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهوكافر وَلَيْسَ بمشرك وَإِن جهل الله تَعَالَى أَو جَحده فَهُوَ حِينَئِذٍ مُشْرك وَقَالَ بعض أَصْحَاب الْحَرْث الأباضي المُنَافِقُونَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا كَانُوا مُوَحِّدين لله تَعَالَى أَصْحَاب كَبَائِر وَمن حماقاتهم قَول بكر بن أُخْت عبد الْوَاحِد بن زيد فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول كل ذَنْب صَغِير أَو كَبِير وَلَو كَانَ أَخذ حَبَّة خَرْدَل بِغَيْر حق أَو كذبة خَفِيفَة على سَبِيل المزاح فَهِيَ شرك بِاللَّه وفاعلها كَافِر مُشْرك مخلد فِي النَّار إِلَّا أَن يكون من أهل الْجنَّة وَهَذَا حكم طَلْحَة وَالزُّبَيْر رَضِي الله عَنْهُمَا عِنْدهم وَمن حماقاتهم قَول عبد الله بن عِيسَى تلميذ بكر بن أُخْت عبد الْوَاحِد بن زيد الْمَذْكُور فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول إِن المجانين والبهايم والأطفال مالم يبلغُوا الْحلم فَإِنَّهُم لَا يألمون الْبَتَّةَ لشَيْء مِمَّا ينزل بهم من الْعِلَل وحجته فِي ذَلِك أَن الله تَعَالَى لَا يظلم أحدا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد لعمري لقد طرد أصل الْمُعْتَزلَة وَأَن من خَالفه فِي هَذِه المتلوث فِي الحماقة متكسع فِي التَّنَاقُض
ذكر شنع الْمُعْتَزلَة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد قَالَت الْمُعْتَزلَة بأسرها حاشا ضرار بن عبد الله الْغَطَفَانِي الْكُوفِي وَمن وَافقه كحفص الْفَرد وكلثوم وَأَصْحَابه أَن جَمِيع أَفعَال الْعباد من حركاتهم وسكونهم فِي أَقْوَالهم وأفعالهم وعقودهم لم يخلقها الله عز وَجل ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَت طَائِفَة خلقهَا فاعلوها دون الله تَعَالَى وَقَالَت طَائِفَة هِيَ أَفعَال مَوْجُودَة لَا خَالق لَهَا أصلا وَقَالَت طَائِفَة هِيَ أَفعَال الطبيعة وَهَذَا قَول أهل الدَّهْر بِلَا تكلّف وَقَالَت الْمُعْتَزلَة كلهاحاشا ضرار بن عَمْرو الْمَذْكُور وحاشا أَبَا سهل بشر بن العمير الْبَغْدَادِيّ النخاس بالرقيق أَن الله عز وَجل لَا يقدر الْبَتَّةَ على لطف يلطف بِهِ الْكَافِر حَتَّى يُؤمن إيمانايستحق بِهِ الْجنَّة وَالله عز وَجل لَيْسَ فِي قوته أحسن مِمَّا فعل بِنَا وَإِن هَذَا الَّذِي فعل هُوَ مُنْتَهى طاقته وَآخر قدرته الَّتِي لَا يُمكنهُ وَلَا يقدر على أَكثر
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا تعجيز مُجَرّد لله تَعَالَى وَإِيجَاب النِّهَايَة والإنقضاء لقدرته تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَقَالَ أَبُو الْهُذيْل بن مَكْحُول العلاف مولى عبد الْقَيْس بَصرِي أحد رُؤَسَاء الْمُعْتَزلَة ومتقدميهم إِن لما يقدر الله تَعَالَى عَلَيْهِ آخر اَوْ لقدرته نِهَايَة لَو خرج إِلَى الْفِعْل لم يقدر الله تَعَالَى بعد ذَلِك على شَيْء أصلا وَلَا على خلق ذرة فَمَا فَوْقهَا وَلَا إحْيَاء بعوضة ميتَة وَلَا على تَحْرِيك ورقة فَمَا فَوْقهَا وَلَا على أَن يفعل شَيْئا أصلا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذِه حَالَة من الضعْف والمهانة وَالْعجز قد ارْتَفَعت البق والبراغيث والدود مُدَّة حَيَاتهَا عَنْهَا وَعَن أَن تُوصَف بهَا وَهَذَا كفر مُجَرّد لَا خَفَاء بِهِ وَزعم أَبُو الْهُذيْل أَيْضا أَن أهل الْجنَّة وَأهل النَّار تفنى حركاتهم حَتَّى يصيروا جماداً لَا يقدرُونَ على تَحْرِيك شَيْء من أعضائهم وَلَا على البراح من مواضعهم وهم فِي تِلْكَ الْحَال متلذذون ومتألمون إِلَّا أَنهم