الَّتِي غبط الله تَعَالَى بهَا الشُّهَدَاء وَأوجب لَهُم بهَا أفضل الْجَزَاء وتمناها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وفضلاء الْمُسلمين لَيْسَ هِيَ قتل الْكَافِر لِلْمُؤمنِ وَلَا قتل الظَّالِم للْمُسلمِ البريء
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وجنون الْمُعْتَزلَة وجهلهم وإهذارهم ووساوسهم لَا قِيَاس عَلَيْهَا وَحقّ لمن اسْتغنى عَن الله عز وَجل وَقَالَ أَنه يقدر على مَا لَا يقدر عَلَيْهِ ربه تَعَالَى وَقَالَ أَن عقله كعقول الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام سَوَاء بِسَوَاء إِن يَخْذُلهُ الله عز وَجل مثل هَذَا الخذلان نَعُوذ بِاللَّه من خذلانه ونسئله الْعِصْمَة فَلَا عَاصِم سواهُ أما سمعُوا قَول الله عز وَجل {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله فيقتلون وَيقْتلُونَ وَعدا عَلَيْهِ حَقًا} وَقَوله تَعَالَى {وَلَا تَقولُوا لمن يقتل فِي سَبِيل الله أموات بل أَحيَاء} ثمَّ إِنَّهُم فسروا الشَّهَادَة بعقولهم فَقَالُوا إِنَّمَا الشَّهَادَة الصَّبْر على الْجراح المؤدية إِلَى الْقَتْل والعزم على التَّقَدُّم إِلَى الْحَرْب
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَفِي هَذَا الْكَلَام من الْجُنُون ثَلَاثَة أضْرب أَحدهمَا أَنه كَلَام مُبْتَدع لم يقبله أحد قبل متأخريهم المنسلخين من الْخَيْر جملَة وَالثَّانِي أَنه لَو وضح مَا ذكرُوا لكَانَتْ الشَّهَادَة فِي الْحَيَاة لَا بِالْمَوْتِ لِأَن الصَّبْر على الْجراح والعزم على التَّقَدُّم لَا يكونَانِ إِلَّا فِي الْحَيَاة وَالشَّهَادَة فِي سَبِيل الله لَا تكون بِنَصّ الْقُرْآن وصحيح الْأَخْبَار وَإِجْمَاع الْأمة إِلَّا بِالْقَتْلِ وَالثَّالِث أَن الَّذِي مِنْهُ هربوا فِيهِ وَقَعُوا بِعَيْنِه وَهُوَ أَن الشَّهَادَة الَّتِي تمنى الْمُسلمُونَ بهَا أَن كَانَت الْعَزْم على التَّقَدُّم إِلَى الْحَرْب وَالصَّبْر على الْجراح المودية إِلَى الْقَتْل فقد حصل تمني قتل الْكفَّار للْمُسلمين وتمني أَن يجرحوا الْمُسلمين جراحاً تُؤدِّي إِلَى الْقَتْل وتمني ثبات الْكفَّار على الْكفْر حَتَّى يجرحوا أهل الْإِسْلَام جراحاً قاتلة وَحرب الْكفَّار للْمُسلمين وثباتهم لَهُم وجراحهم إيَّاهُم معاص وَكفر بِلَا شكّ فقد حصلوا على تمني الْمعاصِي وَهُوَ الَّذِي بِهِ شنعوا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَبَطل كل مَا شنعت بِهِ الْمُعْتَزلَة وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
الْكَلَام فِي اللطف والأصلح
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وضل جُمْهُور الْمُعْتَزلَة فِي فصل من الْقدر ضلالا بَعيدا فَقَالُوا بأجمعهم حاشا ضرار بن عَمْرو وحفصاً الْفَرد وَبشر بن الْمُعْتَمِر ويسيراً مِمَّن اتبعهم أَنه لَيْسَ عِنْد الله تَعَالَى شَيْء أصلح مِمَّا أعطَاهُ جَمِيع النَّاس كافرهم ومؤمنهم وَلَا عِنْده هدي أهْدى مِمَّا قد هدى بِهِ الْكَافِر وَالْمُؤمن هَذَا مستويا وَأَنه لَيْسَ يقدر على شَيْء هُوَ أصلح مِمَّا فعل بالكفار وَالْمُؤمنِينَ ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ فَقَالَ جمهورهم أَنه تَعَالَى قَادر على أَمْثَال مَا فعل من الصّلاح بِلَا نِهَايَة وَقَالَ الْأَقَل مِنْهُم وهم عباد وَمن وَافقه هَذَا بَاطِل لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يتْرك الله تَعَالَى شَيْئا يقدر عَلَيْهِ من الصّلاح من أجل فعله لصلاح مَا وحجتهم فِي هَذَا الْكفْر الَّذِي أَتَوا بِهِ أَنه لَو كَانَ عِنْده أصلح أَو أفضل مِمَّا فعل بِالنَّاسِ ومنعهم إِيَّاه لَكَانَ بَخِيلًا ظَالِما لَهُم وَلَو أعْطى شَيْئا من فَضله بعض النَّاس دون بعض لَكَانَ محابياً ظَالِما والمحاباة جور وَلَو كَانَ عِنْده مَا يُؤمن بِهِ الْكفَّار إِذْ أَعْطَاهُم إِيَّاه ثمَّ مَنعهم إِيَّاه لَكَانَ ظَالِما لَهُم غَايَة الظُّلم قَالُوا وَقد علمنَا أَن إنْسَانا لَو ملك أَمْوَالًا عَظِيمَة تفضل عَنهُ وَلَا يحْتَاج إِلَيْهَا فقصده جَار فَقير لَهُ تحل لَهُ الصَّدَقَة فَسَأَلَهُ درهما يحي بِهِ نَفسه وَهُوَ يعلم فقره إِلَيْهِ وَيعلم أَنه يتدارك بِهِ رمقه فَمَنعه لَا لِمَعْنى فَإِنَّهُ بخيل قَالُوا فَلَو علم أَنه إِذْ أعطَاهُ الدِّرْهَم سهلت عَلَيْهِ أَفعَال كلفه إِيَّاهَا فَمَنعه من ذَلِك لَكَانَ بَخِيلًا ظَالِما فَلَو علم أَنه لَا يصل إِلَى