وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا النَّصْر إِلَّا من عِنْد الله} وَقَالَ تَعَالَى {إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم فَكف أَيْديهم عَنْكُم} وَقَالَ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُم بِبَطن مَكَّة} فصح يَقِينا أَن الله تَعَالَى سلط الْكفَّار على من سلطهم من الْأَنْبِيَاء وعَلى أهل بِئْر مَعُونَة وَيَوْم أحد ونصرهم أملاه لَهُم وابتلاه للْمُؤْمِنين وَإِلَّا فَيُقَال لمن أنكر هَذَا أتراه تَعَالَى كَانَ عَاجِزا عَن مَنعهم فَإِن قَالُوا نعم كفرُوا وناقضوا لِأَن الله تَعَالَى قد نَص على أَنه كف أَيدي الْكفَّار عَن الْمُؤمنِينَ إذشاء وسلط أَيْديهم على الْمُؤمنِينَ وَلم يكفها إذشاء (قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَقَالَ بعض شُيُوخ الْمُعْتَزلَة أَن إِسْلَام الله تَعَالَى من أسلم من الْأَنْبِيَاء إِلَى أعدائه فَقَتَلُوهُمْ وجرحوهم وَإِسْلَام من أسلم من الصّبيان إِلَى أعدائه يحضونهم ويغلبونهم على أنفسهم بركوب الْفَاحِشَة إِذا كَانَ ليعوضهم أفضل الثَّوَاب فَلَيْسَ خذلاناً فَقُلْنَا دَعونَا من لَفْظَة الخذلان فلسنا نجيزها لِأَن الله تَعَالَى لم يذكرهَا فِي هَذَا الْبَاب لَكنا نقُول لكم إِذا كَانَ قتل الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أعظم مَا يكون من الْكفْر وَالظُّلم وَكَانَ الله عز وَجل بقولكم قد أسلم أنبياءه صلوَات الله عَلَيْهِم إِلَى أعدائهم ليعوضهم أجل عوض فقد أقررتم بزعمكم أَن الله عز وَجل أَرَادَ إسْلَامهمْ إِلَى أعدائهم وَإِذا أَرَادَ الله عز وَجل ذَلِك بإقراركم فقد أَرَادَ بإقراركم كَون أعظم مَا يكون من الْكفْر وَشاء وُقُوع أعظم الضلال وَرَضي ذَلِك لأنبيائه عَلَيْهِم السَّلَام على الْوَجْه الَّذِي تَقولُونَ كاينا مَا كَانَ وَهَذَا مَا لَا مخلص لَهُم مِنْهُ وَأَيْضًا فَنَقُول لهَذَا الْقَائِل إِذا كَانَ إِسْلَام الْأَنْبِيَاء إِلَى أَعدَاء الله عز وَجل يَقْتُلُونَهُمْ لَيْسَ ظلما وعبثا على توجيهكم المناقض لَا صولكم فِي أَنه أدّى إِلَى أجزل الْجَزَاء فَلَيْسَ خذلاناً وَكَذَلِكَ إِسْلَام الْمُسلم إِلَى عدوه يحضه ويرتكب فِيهِ الْفَاحِشَة فَهُوَ على أصولكم خير وَعدل فيلزمكم أَن تَتَمَنَّوْا ذَلِك وَأَن تسروا بِمَا نيل من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فِي ذَلِك وَأَن تدعوا فِيهِ إِلَى الله تَعَالَى وَهَذَا خلاف قَوْلكُم وَخلاف إِجْمَاع أهل الْإِسْلَام وَهَذَا مَا لَا مخلص لَهُم مِنْهُ وَلَا يلْزمنَا نَحن ذَلِك لأننا لَا نسر إِلَّا بِمَا أمرنَا الله تَعَالَى بالسرور بِهِ وَلَا نتمنى إِلَّا مَا قد أَبَاحَ لنا تَعَالَى أَن نَدْعُوهُ فِيهِ وكل فعله عز وَجل وَأَن كَانَ عدلا مِنْهُ وَخيرا فقد افْترض تَعَالَى علينا أَن ننكر من ذَلِك مَا سَمَّاهُ من غير ظلم وَأَن نبرأ مِنْهُ وَلَا نتمناه لمُسلم فَإِنَّمَا نتبع مَا جَاءَت بِهِ النُّصُوص فَقَط وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَقَالَ قَائِل من الْمُعْتَزلَة إِذا حملتم قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين لَا يُؤمنُونَ فِي آذانهم وقر وَهُوَ عَلَيْهِم عمى} فَمَا يدريكم لَعَلَّه عَلَيْكُم عمى
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فجوابنا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أَن الله تَعَالَى قد نَص على أَنه لَا يكون عمى إِلَّا على الَّذين لَا يُؤمنُونَ وَنحن مُؤمنُونَ وَللَّه تَعَالَى الْحَمد فقد أمنا ذَلِك وَقد ذمّ الله تَعَالَى قوما حملُوا الْقُرْآن على غير ظَاهره فَقَالَ تَعَالَى {يحرفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه} فَهَذِهِ صفتكم على الْحَقِيقَة الْمَوْجُودَة فِيكُم حسا فَمن حمل الْقُرْآن على مَا خُوطِبَ بِهِ من اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَاتبع بَيَان الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالقرآن لَهُ هدى وشفاء وَمن بدل كَلمه عَن موَاضعه وَادّعى فِيهِ دعاوى بِرَأْيهِ وكهانات بَطْنه وأسرار وَأعْرض عَن بَيَان الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُبين عَن الله تَعَالَى بأَمْره وَمَال إِلَى قَول المنانية فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْقُرْآن عمى وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَمن نَوَادِر الْمُعْتَزلَة وعظيم جهلها وحماقتها وإقدامها أَنهم قَالُوا أَن الشَّهَادَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute