للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قُلْنَا لَهُم هَذَا هُوَ الِاضْطِرَار نَفسه الَّذِي لَا اضطرار فِي الْعَالم غَيره وَهَذِه صفة كل من ثَبت عِنْده شَيْء ثباتاً متيقناً كمن يتَيَقَّن بالْخبر الْمُوجب للْعلم موت فلَان وَكَون صفّين والجمل وكسائر مَا لم يُشَاهد الْمَرْء بحواسه فَالْكل على هَذَا مضطرون إِلَى الْإِيمَان لَا مختارون لَهُ وَإِن قَالُوا لم يَصح عِنْدهم شَيْء من ذَلِك هَذِه الصِّحَّة قُلْنَا لَهُم فَمَا قَامَت عَلَيْهِم حجَّة النُّبُوَّة قطّ وَلَا صحت لله تَعَالَى عَلَيْهِم حجَّة وَمن كَانَ هَكَذَا فاختياره للْإيمَان إِنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَاب وتقليد وَاتِّبَاع لما مَالَتْ إِلَيْهِ نَفسه وَغلب ظَنّه فَقَط وَفِي هَذَا بطلَان جَمِيع الشَّرَائِع وَسُقُوط حجَّة الله تَعَالَى وَهَذَا كفر مُجَرّد

الْكَلَام فِي هَل لله تَعَالَى نعْمَة على الْكفَّار أم لَا

قَالَ أَبُو مُحَمَّد اخْتلف المتكلمون فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَت الْمُعْتَزلَة أَن نعم الله تَعَالَى على الْكفَّار فِي الدّين وَالدُّنْيَا كنعمه على الْمُؤمنِينَ وَلَا فرق وَهَذَا قَول فَاسد قد نقضناه آنِفا وَللَّه الْحَمد وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى إِن الله تَعَالَى لَا نعْمَة لَهُ على كَافِر أصلا لَا فِي دين وَلَا دنيا وَقَالَت طَائِفَة لَهُ تَعَالَى عَلَيْهِم نعم فِي الدُّنْيَا فَأَما فِي الدّين فَلَا نعْمَة لَهُ عَلَيْهِم فِيهِ أصلا

قَالَ أَبُو مُحَمَّد قَالَ الله عز وَجل {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر}

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَوَجَدنَا الله عز وَجل يَقُول {الله الَّذِي جعل لكم اللَّيْل لتسكنوا فِيهِ وَالنَّهَار مبصراً إِن الله لذُو فضل على النَّاس وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يشكرون} وَقَالَ تَعَالَى {الَّذِي جعل لكم الأَرْض قراراً وَالسَّمَاء بِنَاء وصوركم فَأحْسن صوركُمْ ورزقكم من الطَّيِّبَات ذَلِكُم الله ربكُم}

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذَا عُمُوم بِالْخِطَابِ بإنعام الله تَعَالَى على كل من خلق الله تَعَالَى وَعُمُوم لمن يشْكر من النَّاس وَالْكفَّار من جملَة مَا خلق الله تَعَالَى بِلَا شكّ وَأما أهل الْإِسْلَام فكلهم شَاكر لله تَعَالَى بِالْإِقْرَارِ بِهِ ثمَّ يتفاضلون فِي الشُّكْر وَلَيْسَ أحد من الْخلق يبلغ كل مَا عَلَيْهِ من شكر الله تَعَالَى فصح أَن نعم الله تَعَالَى فِي الدُّنْيَا على الْكفَّار كهي على الْمُؤمنِينَ وَرُبمَا أَكثر فِي بَعضهم فِي بعض الْأَوْقَات قَالَ تَعَالَى {بدلُوا نعْمَة الله كفرا وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار جَهَنَّم يصلونها وَبئسَ الْقَرار} وَهَذَا نَص جلي على نعم الله تَعَالَى على الْكفَّار وَأَنَّهُمْ بدلوها كفرا فَلَا يحل لأحد أَن يُعَارض كَلَام ربه تَعَالَى بِرَأْيهِ الْفَاسِد وَأما نعْمَة الله فِي الدّين فَإِن الله تَعَالَى أرسل إِلَيْهِم الرُّسُل هادين لَهُم إِلَى مَا يرضى الله تَعَالَى وَهَذِه نعْمَة عَامَّة بِلَا شكّ فَلَمَّا كفرُوا وجحدوا نعم الله تَعَالَى فِي ذَلِك أعقبهم الْبلَاء وَزَوَال النِّعْمَة كَمَا قَالَ عز وَجل {إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل = كتاب الْإِيمَان

وَالْكفْر والطاعات والمعاصي والوعد والوعيد

قَالَ أَبُو مُحَمَّد اخْتلف النَّاس فِي مَاهِيَّة الْإِيمَان فَذهب قوم إِلَى أَن الْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ معرفَة الله تَعَالَى بِالْقَلْبِ فَقَط وَإِن أظهر الْيَهُودِيَّة والنصرانية وَسَائِر أَنْوَاع الْكفْر بِلِسَانِهِ وعبادته فَإِذا عرف الله تَعَالَى بِقَلْبِه فَهُوَ مُسلم من أهل الْجنَّة وَهَذَا قَول أبي مُحرز الجهم بن صَفْوَان وَأبي

<<  <  ج: ص:  >  >>