ثمَّ نسألهم عَمَّا سألونا عَنهُ بِعَيْنِه فَنَقُول لَهُم أَنْتُم تقرون أَن وَجه الله وَعين الله وَيَد الله وَنَفس الله لَيْسَ شَيْء من ذَلِك غير الله تَعَالَى بل ذَلِك عنْدكُمْ هُوَ الله فَأنْتم إِذا تَعْبدُونَ الْوَجْه وَالْيَد وَالْعين والذات فَإِن قَالُوا نعم قُلْنَا لَهُم فَقولُوا فِي دعائكم يَا يَد الله ارحمينا وَيَا عين الله ارضي عَنَّا وَيَا ذَات الله اغفري لنا إياك نعْبد وَقُولُوا نَحن خلق وَجه الله وَعبيد عين الله فَإِن جسروا على ذَلِك فَنحْن لَا نجيز الْإِقْدَام على مَا لم يَأْذَن بِهِ الله وَلَا نتعدى حُدُوده فَإِن شهدُوا فَلَا نشْهد مَعَهم {وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم نَفسه} وَالَّذِي ألزمونا من هَذَا فَهُوَ لَازم لَهُم لِأَنَّهُ سُؤال رضوه وصححوه وَمن رَضِي شَيْئا لزمَه وَنحن لم نرض هَذَا السُّؤَال وَلَا صححناه فَلَا يلْزمنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
الْكَلَام فِي سميع بَصِير وَفِي قديم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأجْمع الْمُسلمُونَ على القَوْل بِمَا جَاءَ بِهِ نَص الْقُرْآن من أَن الله تَعَالَى سميع بَصِير ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَت طَائِفَة من أهل السّنة والأشعرية وجعفر بن حَرْب من الْمُعْتَزلَة وَهِشَام ابْن الحكم وَجَمِيع المجسمة نقطع أَن الله سميع بسمع بَصِير ببصر وَذَهَبت طوائف من أهل السّنة مِنْهُم الشَّافِعِي وَدَاوُد بن عَليّ وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم الْكِنَانِي رَضِي الله عَنْهُم وَغَيرهم إِلَى أَن الله تَعَالَى سميع بَصِير وَلَا نقُول بسمع وَلَا يبصر لِأَن الله تَعَالَى لم يقلهُ وَلَكِن سميع بِذَاتِهِ وبصير بِذَاتِهِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَبِهَذَا نقُول وَلَا يجوز إِطْلَاق سمع وَلَا بصر حَيْثُ لم يَأْتِ بِهِ نَص لما ذكرنَا آنِفا من أَنه لَا يجوز أَن يخبر عَنهُ تَعَالَى مَا لم يخبر عَن نَفسه وَاحْتج من أطلق على الله تَعَالَى السّمع وَالْبَصَر بِأَن قَالَ لَا يعقل السَّمِيع إِلَّا بسمع وَلَا يعقل الْبَصِير إِلَّا ببصر وَلَا يجوز أَن يُسمى بَصِير إِلَّا من لَهُ بصر وَلَا يُسمى سميعاً إِلَّا من لَهُ سمع وَاحْتَجُّوا أَيْضا فِي هَذَا وَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من أَن الصِّفَات مُتَغَايِرَة بِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُقَال أَنه تَعَالَى يسمع المبصرات وَلَا أَنه يبصر المسموعات من الْأَصْوَات وَقَالُوا هَذَا لَا يعقل
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وكل هذَيْن الدَّلِيلَيْنِ شغبي فاسدٌ أما قَوْلهم لَا يعقل السَّمِيع إِلَّا بسمع وَلَا يعقل الْبَصِير إِلَّا ببصر فَيُقَال لَهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أما فِيمَا بَيْننَا فَنعم وَكَذَلِكَ أصلا لم نجد قطّ فِي شَيْء من الْعَالم الَّذِي نَحن فِيهِ سميعاً إِلَّا بسمع وَلَا وجد فِيهِ بَصيرًا إِلَّا ببصر فَإِنَّهُ لم يُوجد قطّ أَيْضا فِيهِ سميع إِلَّا بجارحة يسمع بهَا وَلَا وجد قطّ فِيهِ عَالم إِلَّا بضمير فلزمهم أَن يجرو على الله تَعَالَى هَذِه الْأَوْصَاف وَتَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وهم لَا يَقُولَن هَذَا وَلَا يستجيزونه وَأما المجسمة فَإِنَّهُم أطْلقُوا هَذِه وجوزوه وَقد مضى نقض قَوْلهم بعون الله وتأييده وَيلْزم الطَّائِفَتَيْنِ كلتيهما إِذا قطعُوا بِاللَّه تَعَالَى سمعا وبصراً لِأَنَّهُ سميع بَصِير وَلَا يُمكن أَن يكون سميع بَصِير إِلَّا إِذا سمع وبصر لَا سِيمَا وَقد صَحَّ النَّص بِأَن لَهُ تَعَالَى عينا وَأَعْيُنًا أَن يَقُولُوا أَنه ذُو حدقة وناظر وطباق فِي الْعين وَذُو أشفار وأهداب لأننا نشاهد