وجوده وَلَو لم يُوجد الْوَاحِد لما وجد فِي الْعَالم عدد وَلَا مَعْدُود أصلا والعالم كُله أعداد ومعدودات مَوْجُودَة فالواحد مَوْجُود ضَرُورَة فَلَمَّا نَظرنَا فِي الْعَالم كُله نظرا طبيعياً ضَرُورِيًّا لم نجد فِيهِ وَاحِدًا على الْحَقِيقَة الْبَتَّةَ بِوَجْه من الْوُجُوه لِأَن كل جرم من الْعَالم فمنقسم مُحْتَمل للتجزئة متكثر بالانقسام أبدا بِلَا نِهَايَة وكل حَرَكَة فَهِيَ أَيْضا منقسمة بانقسام المتحرك بهَا وَالزَّمَان حَرَكَة الْفلك فَهُوَ منقسم بإنقسام الْفلك فَكل مُدَّة فمنقسمة أَيْضا بانقسام المتحرك بهَا الَّذِي هُوَ الْمدَّة وَكَذَلِكَ كل مقول من جنس أَو نوع أَو فصل وَكَذَلِكَ كل عرض مَحْمُول فِي جرم فَإِنَّهُ منقسم بانقسام حامله هَذَا أَمر يعلم بضرورة الْعقل والمشاهدة وَلَيْسَ الْعَالم كُله شَيْئا غير مَا ذكرنَا فصح ضَرُورَة أَنه لَيْسَ فِي الْعَالم وَاحِد الْبَتَّةَ وَقد قدمنَا ببرهان ضَرُورِيّ آنِفا أَنه لَا بُد من وجود الْوَاحِد فَإِذا لَا بُد من وجوده وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْء من الْعَالم الْبَتَّةَ فَهُوَ إِذا بِالضَّرُورَةِ شيءٌ غير الْعَالم فَإذْ ذَلِك كَذَلِك فالبضرورة الَّتِي لَا محيد عَنْهَا فَهُوَ الْوَاحِد لأوّل الْخَالِق للْعَالم إِذْ لَيْسَ يُوجد بِالْعقلِ الْبَتَّةَ شيءٌ غير الْعَالم إِلَّا خالقه فَهُوَ الْوَاحِد الأول الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الَّذِي لَا يتكثر الْبَتَّةَ أصلا لَا بِعَدَد وَلَا صفة وَلَا بِوَجْه من الْوُجُوه لَا وَاحِد سواهُ الْبَتَّةَ وَلَا أول غَيره أصلا وَلَا مخترع فَاعِلا خَالِقًا إِلَّا هُوَ وَحده لَا شريك لَهُ
وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي كل فَرد فِي الْعَالم وَهُوَ الَّذِي يُسمى فِي اللُّغَة عِنْد الْعَدو وَاحِد على الْمجَاز أَنه كثير بِمَعْنى أَنه يحْتَمل أَن يقسم وَأَن لَهُ مساحة كَثِيرَة الْأَجْزَاء فَإِذا قسم ظَهرت الْكَثْرَة فِيهِ وَأما مَا لم يقسم فَهُوَ يعد فَردا حَقِيقِيًّا وَقد ذكرنَا برهَان وجوب احْتِمَال الإنقسام لكل جُزْء فِي الْعَالم فِي آخر كتَابنَا هَذَا ببراهين ضَرُورِيَّة لَا محيد عَنْهَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا تَقول فِي الْبَاء وَالتَّاء والثاء وَسَائِر حُرُوف الهجاء أَلَيْسَ كل وَاحِد مِنْهَا وَاحِدًا لَا يَنْقَسِم قيل لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن هَذَا شغب ينيغي أَن تحفظ من مثله لِأَن الْحَرْف إِنَّمَا هُوَ هَوَاء ينْدَفع من مخرج ذَلِك الْحَرْف بعصر بعض آلَات الصَّوْت لَهُ من الرئة وأنابيب الصَّدْر وَالْحلق والحنك وَاللِّسَان والأسنان والشفتين فَإذْ لَا شكّ فِي هَذَا فَذَلِك الْهَوَاء المندفع جسم طَوِيل عريض عميق فَهُوَ مُحْتَمل الإنقسام ضَرُورَة فَذَلِك الْهَوَاء هُوَ الْحَرْف فالحرف هُوَ جسم مُحْتَمل للْقِسْمَة ضَرُورَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
الْكَلَام على من يَقُول أَن البارىء خلق الْعَالم جملَة كَمَا هُوَ بِجَمِيعِ أَحْوَاله بِلَا زمَان
قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ رَأينَا من يقر بالخالق تَعَالَى وَلَا يقر بِالنُّبُوَّةِ وَمن يذهب إِلَى ذَلِك وناظرناه على ذَلِك فَقلت إِن الَّذِي تَقول مُمكن فِي قُوَّة الله تَعَالَى وَالَّذِي نقُول نَحن من أَنه تَعَالَى خلق من النَّوْع الإنساني ذكر وَاحِدًا وَأُنْثَى وَاحِدَة تناسل النَّاس كلهم مِنْهُمَا مُمكن أَيْضا فَمن أَيْن ملت إِلَى تِلْكَ الحثيثة دون هَذِه فتردد سَاعَة فَلَمَّا لم يجد دَلِيلا قَالَ فَمن أَيْن ملتم أَنْتُم أَيْضا إِلَى هَذِه الحثيثة دون تِلْكَ فَقلت لبراهين ضَرُورِيَّة توجب مَا قُلْنَا وتنفي مَا قُلْتُمْ مِنْهَا أَنه لَو كَانَ مَا قلت لَكَانَ كل من أخرجه الله تَعَالَى حِينَئِذٍ من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود من الشبَّان والشيوخ يعلمُونَ ذَلِك ويحسونه من أنفسهم ويوقنون أَنهم الْآن بِهِ حدثوا وَأَنَّهُمْ لم يَكُونُوا قبل ذَلِك لَكِن حدثوا الْآن فِي حَال توليهم لصناعاتهم وتجاراتهم وأعمالهم من حرث وحصاد ونسج وخياطة وخبز
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute