للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وطبخ وَغير ذَلِك وَلَو كَانَ هَذَا لنقلوه إِلَى أَوْلَادهم نقلا يَقْتَضِي لَهُم الْعلم الضَّرُورِيّ بذلك وَلَا بُد كَمَا يَقْتَضِي الْعلم الضَّرُورِيّ كل نقل جَاءَ بِأَقَلّ من هَذَا الْمَجِيء مِمَّا كَانَ قبلنَا من الْمُلُوك والدول والوقائع ولبلغ الْأَمر إِلَيْنَا كَذَلِك ولعلمه جَمِيع النَّاس علما ضَرُورِيًّا لِأَن شَيْئا يَنْقُلهُ جَمِيع أهل الأَرْض عَن مشاهدتهم لَهُ لَا يُمكن التشكك فِيهِ أبدا كَمَا نقل طُلُوع الشَّمْس وغروبها وَالْمَوْت والولاد وَغير ذَلِك وَنحن نجد الْأَمر بِخِلَاف هَذَا لأَنا نجد جَمِيع أهل الأَرْض قاطبة لَا يعْرفُونَ هَذَا بل لَا يدريه أحد مِنْهُم وَإِنَّمَا قلته أَنْت وَمن وافقته أَو من وَافَقت بِرَأْي وَظن لَا بِخَبَر وَنقل أصلا وَهَذَا مَا لَا تخالفنا فِيهِ أَنْت وَلَا أحد من النَّاس فَمن الْمحَال الْمُمْتَنع أَن يكون خبرٌ نَقله جَمِيع سكان الْعَالم أَوَّلهمْ عَن آخِرهم إِلَى كل من حدث بعدهمْ عَمَّا شاهدوه يخفي حَتَّى لَا يعرفهُ أحد من سكان الأَرْض هَذَا أَمر يعرف كذبه بِأول الْعقل وبديهته

فَقَالَ وَالَّذِي تحكونه أَنْتُم أَيْضا قد وجدنَا جماعات ينكرونه فَيَنْبَغِي أَن يبطل بِمَا عارضتنا بِهِ

فَقلت بَين النقلين فرق لَا خَفَاء بِهِ لِأَن نقلنا نَحن لما قُلْنَاهُ إِنَّمَا يرجع إِلَى خبر رجل وَاحِد وَامْرَأَة وَاحِدَة فَقَط وهما أول من أحدثهم الله تَعَالَى من النَّوْع الإنساني وَمَا كَانَ هَكَذَا فَإِنَّهُ لَا يُوجد الْعلم الضَّرُورِيّ إِذْ التواطؤ مُمكن فِي ذَلِك وَلَوْلَا أَن الْأَنْبِيَاء وَالَّذين جَاءُوا بالمعجزات أخبروا بتصحيح ذَلِك مَا صَحَّ قَوْلنَا من جِهَة النَّقْل وَحده بل كَانَ مُمكنا أَن يكون الله تَعَالَى ابْتَدَأَ خلق جمَاعَة تناسل الْخلق مِنْهُم لَكِن لما أخبر من صححت المعجزة قَوْله بِأَن الله تَعَالَى لم يبتدىء من النَّوْع الإنساني إِلَّا رجلا وَاحِدًا وَامْرَأَة وَاحِدَة وَجب تَصْدِيق قَوْلهم وبرهان آخر وَهُوَ أَنكُمْ قد أثبتم ضَرُورَة صِحَة قَوْلنَا من أَن الله ابْتَدَأَ النَّوْع الإنساني بِأَن خلق ذكرا وَأُنْثَى ثمَّ ادعيتم زِيَادَة أَن الله تَعَالَى خلق سواهُمَا جماعات وَلم تَأْتُوا على ذَلِك ببرهان أصلا وَلَا بِدَلِيل إقناعي فضلا عَن برهاني وَقد صحت الْبَرَاهِين الَّتِي قدمنَا قيل أَنه لَا بُد من مبدأ ضَرُورَة فَوَجَبَ وَلَا بُد حُدُوث ذكر وَأُنْثَى وَكَانَ من ادّعى حُدُوث أَكثر من ذَلِك مُدعيًا لما لَا دَلِيل لَهُ عَلَيْهِ أصلا وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِل بِيَقِين لَا مرية فِيهِ وكل مَا ذكرت عَنهُ نبوةٌ فِي الْهِنْد وَالْمَجُوس وَالصَّابِئِينَ وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُسْلِمين فَلم يَخْتَلِفُوا فِي أَن الله تَعَالَى إِنَّمَا أحدث النَّاس من ذكر وَأُنْثَى وَمَا جَاءَ هَذَا الْمَجِيء فَلَا يجوز الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ بِالدَّعْوَى وَإِنَّمَا اخْتلف عَنْهُم فِي الْأَسْمَاء فَقَط وَلَيْسَ فِي هَذَا معترض لِأَنَّهُ قد يكون للمرء أَسمَاء كَثِيرَة فَلم يمْنَع من هَذَا مَانع وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق

قَالَ أَبُو مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ فَلم نجد عِنْدهم فِي ذَلِك مُعَارضَة أصلا وَمَا علمنَا أحدا من الْمُتَكَلِّمين ذكر هَذِه الْفرْقَة أصلا وَقلت لَهُ فِي خلال كَلَامي مَعَه أَتَرَى الْعَالم إِذا خرج دفْعَة أخرج فِيهِ الْحَوَامِل يطلقن والطباقون قعُودا على أطباقهم يبيعون التِّين والسرقين فَضَحِك وَعلم أَنِّي سلكت بِهِ مَسْلَك السخرية فِي قَوْله لفساده وَقَالَ لي نعم فَقلت يَنْبَغِي أَن يَكُونُوا كلهم أننبياء يُوحى إِلَيْهِم أَو لَهُم عَن آخِرهم بِمَا هم عَلَيْهِ من الْعُلُوم والصناعات

<<  <  ج: ص:  >  >>