بأَشْيَاء مِنْهَا أَنه لَو كَانَت جنَّة الْخلد لما أكل من الشَّجَرَة رَجَاء أَن يكون من الخالدين وَاحْتج أَيْضا بِأَن جنَّة الْخلد لَا كذب فِيهَا وَقد كذب فِيهَا إِبْلِيس وَقَالَ من دخل الْجنَّة لم يخرج مِنْهَا وآدَم وَامْرَأَته عَلَيْهِمَا السَّلَام قد خرجا مِنْهَا
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) كل هَذَا لَا دَلِيل لَهُ فِيهِ أما قَوْله أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام أكل من الشَّجَرَة رَجَاء أَن يكون من الخالدين فقد علمنَا أَن أكله من الشَّجَرَة لم يكن ظَنّه فِيهِ صَوَابا وَلَا أكله لَهَا صَوَابا وَإِنَّمَا ظنا وَلَا حجَّة فِيمَا كَانَ هَذِه صفته وَالله عز وَجل لم يُخبرهُ بِأَنَّهُ مخلد فِي الْجنَّة بل قد كَانَ فِي علم الله تَعَالَى أَنه سيخرجه مِنْهَا فَأكل عَلَيْهِ السَّلَام من الشَّجَرَة رَجَاء الْخلد الَّذِي لم يضمن وَلَا تَيَقّن بِهِ لنَفسِهِ وَأما قَوْله أَن الْجنَّة لَا كذب فِيهَا وَأَن من دَخلهَا لم يخرج مِنْهَا آدم وَامْرَأَته فَهَذَا لَا حجَّة لَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا تكون كَذَلِك إِذا كَانَت جَزَاء لأَهْلهَا كَمَا أخبر عز وَجل عَنْهَا حَيْثُ يَقُول {لَا تسمع فِيهَا لاغية} فَإِنَّمَا هَذَا على المستأنف لَا على مَا سلف وَلَا نَص مَعَه على مَا ادّعى وَلَا إِجْمَاع وَاحْتج أَيْضا بقول الله عز وَجل لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام {أَن لَك أَلا تجوع فِيهَا وَلَا تعرى} قَالَ وَقد عرى فِيهَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا لَا حجَّة فِيهَا بل هُوَ حجَّة عَلَيْهِ لِأَن الله عز وَجل وصف الْجنَّة الَّتِي أسكن فِيهَا آدم بِأَنَّهَا لَا يجاع فِيهَا وَلَا يعرى وَلَا يظمأ فِيهَا وَلَا يضحى وَهَذِه صفة الْجنَّة بِلَا شكّ وَلَيْسَ فِي شَيْء ممادون السَّمَاء مَكَان هَذِه صفته بِلَا شكّ بل كل مَوضِع دون السَّمَاء فَإِنَّهُ لَا بُد أَن يجاع فِيهِ ويعرى ويظمأ ويضحى وَلَا بُد من ذَلِك ضَرُورَة فصح أَنه إِنَّمَا سكن الْمَكَان الَّذِي هَذِه صفته وَلَيْسَ هَذَا غير الْجنَّة الْبَتَّةَ وَإِنَّمَا عرى آدم حِين أكل من الشَّجَرَة فاهبط عُقُوبَة وَقَالَ الله عز وَجل {لَا يرَوْنَ فِيهَا شمساً وَلَا زمهريراً} وَأخْبر آدم أَنه لَا يضحى
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَهَذَا أعظم حجَّة عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي الْمَكَان الَّذِي هُوَ فِيهِ شمس لَا ضحى فِيهِ وَلَا بُد فصح أَن الْجنَّة الَّتِي أسكن فِيهَا آدم كَانَت لَا شمس فِيهَا فَهِيَ جنَّة الْخلد بِلَا شكّ وَأَيْضًا فَإِن قَوْله عز وَجل {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} إِشَارَة بِالْألف وَاللَّام وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا على مَعْهُود وَلَا تَنْطَلِق الْجنَّة هَكَذَا إِلَّا على جنَّة الْخلد وَلَا ينْطَلق هَذَا الِاسْم على غَيرهَا إِلَّا بِالْإِضَافَة وَأَيْضًا فَلَو أسكن آدم عَلَيْهِ السَّلَام جنَّة فِي الأَرْض لما كَانَ فِي إِخْرَاجه مِنْهَا إِلَى غَيرهَا من الأَرْض عُقُوبَة بل قد بَين تَعَالَى أَنَّهَا لَيست فِي الأَرْض بقوله تَعَالَى {اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضكُم لبَعض عَدو}{وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر ومتاع إِلَى حِين} فصح يَقِينا بِالنَّصِّ أَنه قد أهبط من الْجنَّة إِلَى الأَرْض فصح أَنَّهَا لم تكن فِي الأَرْض الْبَتَّةَ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
الْكَلَام فِي بَقَاء أهل الْجنَّة وَالنَّار أبدا
(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) اتّفقت فرق الْأمة كلهَا على أَنه لَا فنَاء للجنة وَلَا لنعيمها وَلَا للنار وَلَا لعذابها