للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَيْثُ تقع الْقُدْرَة وَلَا نَدْرِي فِي أَي لُغَة وجد هَذَا الكذيب أم فِي أَي عقل وجد هَذَا السخف وَمَا شكّ ذُو علم باللغة الْخَاصَّة والعامة فِي بطلَان قَوْله وَفِي أَن الْعَجز ضد الْقُدْرَة وَأَن مَا قدر الْإِنْسَان عَلَيْهِ فَلم يعجز عَنهُ فِي حِين قدرته عَلَيْهِ وَأَن مَا عجز عَنهُ فَلم يقدر عَلَيْهِ فِي حِين عَجزه عَنهُ وَإِن نفي الْقُدْرَة إِثْبَات للعجز وَأَن نفي الْعَجز إِثْبَات للقدرة مَا يجهل هَذَا عَامي وَلَا خاصي أصلا وَهُوَ أَيْضا مَعْرُوف بِأول الْعقل وَالْعجب أَن يَأْتِي بِمثل هَذِه الدعاوي السخيفة بِغَيْر دَلِيل أصلا لَكِن حماقات وضلالات يطلقهَا هَذَا الْجَاهِل وَأَمْثَاله من الْفُسَّاق فِي دين الله تَعَالَى فينلنفها عَنْهُم من أضلّهُ الله تَعَالَى ونعوذ بِاللَّه من الخذلان وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنكُمْ غير معجزي الله} فَاقْتضى هَذَا أَنهم غير مَقْدُور عَلَيْهِم لله تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى {فَلَيْسَ بمعجز فِي الأَرْض} فَوَجَبَ أَنه مَقْدُور عَلَيْهِ وَقَالَ تَعَالَى {وَالله على كل شَيْء قدير} فصح أَنه غير عَاجز وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ

الْكَلَام فِي الْجِنّ ووسوسة الشَّيْطَان وَفعله فِي المصروع

قَالَ أَبُو مُحَمَّد لم ندرك بالحواس وَلَا علمنَا وجوب كَونهم وَلَا وجوب امْتنَاع كَونهم فِي الْعَالم بضرورة الْعقل لَكِن علمنَا بضرورة الْعقل إِمْكَان كَونهم لِأَن قدرَة الله تَعَالَى لَا نِهَايَة لَهَا وَهُوَ عز وَجل يخلق مَا يَشَاء وَلَا فرق بَين أَن يخلق خلقا عنصرهم التُّرَاب وَالْمَاء فيسكنهم فِي الأَرْض والهواء وَالْمَاء وَبَين أَن يخلق خلقا عنصرهم النَّار والهواء فيسكنهم الْهَوَاء وَالنَّار وَالْأَرْض بل كل ذَلِك سَوَاء وممكن فِي قدرته لَكِن لما أخْبرت الرُّسُل الَّذين شهد الله عز وَجل بصدقهم بِمَا أبدى على أَيْديهم من المعجزات المحيلة للطبائع بِنَصّ الله عز وَجل على وجود الْجِنّ فِي الْعَالم وَجب ضَرُورَة الْعلم بخلقهم وَقد جَاءَ النَّص بذلك وبأنهم أمة عَاقِلَة مُمَيزَة متعبدة موعودة متوعدة متناسلة يموتون وَأجْمع الْمُسلمُونَ كلهم على ذَلِك نعم وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس والصابئون وَأكْثر الْيَهُود حاشا السامرة فَقَط فَمن أنكر الْجِنّ أَو تَأَول فيهم تَأْوِيلا يخرجهم بِهِ عَن هَذَا الظَّاهِر فَهُوَ كَافِر مُشْرك حَلَال الدَّم وَالْمَال قَالَ تَعَالَى {أفتتخذونه وَذريته أَوْلِيَاء من دوني}

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وهم يروننا وَلَا نراهم قَالَ الله تَعَالَى {أَنه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} فصح أَن الْجِنّ قبيل إِبْلِيس قَالَ الله عز وَجل {إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ}

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَإِذا أخبرنَا الله عز وَجل أننا لَا نراهم فَمن ادّعى أَنه يراهم أَو رَآهُمْ فَهُوَ كَاذِب إِلَّا أَن يكون من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فَذَلِك معْجزَة لَهُم كَمَا نَص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه تفلت عَلَيْهِ الشَّيْطَان ليقطع عَلَيْهِ صلَاته قَالَ فَأَخَذته فَذكرت دَعْوَة أخي سُلَيْمَان وَلَوْلَا ذَلِك لأصبح موثقًا يرَاهُ أهل الْمَدِينَة أَو كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة عَن أبي هُرَيْرَة الَّذِي رأى إِنَّمَا هِيَ معْجزَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا سَبِيل إِلَى وجود خبر يَصح بِرُؤْيَة جن بعد موت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا هِيَ منقطعات أَو عَمَّن لَا خير فِيهِ

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وهم أجسام رقاق صَافِيَة هوائية لَا ألوان لَهَا وعنصرهم النَّار كَمَا أَن عنصرنا التُّرَاب وَبِذَلِك جَاءَ الْقُرْآن قَالَ الله عز وَجل {والجان خلقناه من قبل من نَار السمُوم} وَالنَّار والهواء عنصران لَا ألوان لَهما وَإِنَّمَا حدث اللَّوْن فِي النَّار المشتعلة لامتزاجها برطوبات مَا تشتعل فِيهِ من الْحَطب والكتان والأدهان وَغير ذَلِك وَلَو كَانَت لَهُم ألوان لرأيناهم بحاسة الْبَصَر وَلَو لم يَكُونُوا أجساما صَافِيَة رقاقا هوائية لأدركناهم بحاسة اللَّمْس وَصَحَّ النَّص بِأَنَّهُم يوسوسون فِي صُدُور النَّاس وَأَن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم فَوَجَبَ التَّصْدِيق بِكُل ذَلِك حَقِيقَة وَعلمنَا أَن الله عز وَجل جعل لَهُم قُوَّة يتوصلون بهَا إِلَى حذف مَا يوسوسون بِهِ فِي النُّفُوس برهَان ذَلِك قَول الله تَعَالَى {من شَرّ الوسواس الخناس الَّذِي يوسوس فِي صُدُور النَّاس من الْجنَّة وَالنَّاس} وَنحن نشاهد الْإِنْسَان يرى من لَهُ عِنْده ثار فيضطرب وتتبدل أعراضه وَصورته وأخلاقه وتثور ناريته وَيرى من يحب فيثور لَهُ حَال أُخْرَى ويبتهج وينبسط وَيرى من يخَاف فَتحدث لَهُ حَال أُخْرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>