للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم بل الْإِسْلَام هُوَ الْإِيمَان وَهُوَ الشَّرَائِع الشَّرَائِع هِيَ الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَاخْتلف النَّاس فِي الْكفْر والشرك فَقَالَت طَائِفَة هِيَ اسمان واقعان على مَعْنيين وَإِن كل شرك كفر وَلَيْسَ كل كفر شركا وَقَالَ هَؤُلَاءِ لَا شرك إِلَّا قَول من جعل لله شَرِيكا قَالَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى كفَّارًا لَا مشركون وَسَائِر الْملَل كفار مشركون وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَغَيره وَقَالَ آخَرُونَ الْكفْر والشرك سَوَاء وكل كَافِر فَهُوَ مُشْرك وكل مُشْرك فَهُوَ كَافِر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَغَيره

قَالَ أَبُو مُحَمَّد واحتجت الطَّائِفَة الأولى بقول الله عزو جلّ {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين منفكين} قَالُوا فَفرق الله تَعَالَى بَين الْكفَّار وَالْمُشْرِكين وَقَالُوا لَفْظَة الشّرك مَأْخُوذَة من الشَّرِيك فَمن لم يَجْعَل لله شَرِيكا فَلَيْسَ شركا

قَالَ أَبُو مُحَمَّد هَذِه عُمْدَة حجتهم مَا نعلم لَهُم حجَّة غير هَاتين

قَالَ أَبُو مُحَمَّد أما احتجاجهم بقول الله عز وَجل {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين} فَلَو لم يَأْتِ فِي هَذَا الْمَعْنى غير هَذَا الْمَعْنى غير هَذِه الْآيَة لكَانَتْ حجتهم ظَاهِرَة لَكِن الَّذِي أنزل هَذِه الْآيَة هُوَ الْقَائِل {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله والمسيح ابْن مَرْيَم وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا إِلَهًا وَاحِدًا} وَقَالَ تَعَالَى {يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُم أَنهم قَالُوا أَن الله ثَالِث ثَلَاثَة وَهَذَا كُله تشريك ظَاهر لإخفائه فَإذْ قد صَحَّ الشّرك والتشريك فِي الْقُرْآن من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فقد صَحَّ أَنهم مشركون وَأَن الشّرك وَالْكفْر اسمان لِمَعْنى وَاحِد وَقد قُلْنَا أَن التَّسْمِيَة لله عز وَجل لَا لنا فَإذْ ذَلِك كَذَلِك فقد صَحَّ أَن قَوْله تَعَالَى {الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين} كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن الله جَامع الْمُنَافِقين والكافرين فِي جَهَنَّم جَمِيعًا} وَلَا خلاف بَين أحد من أهل الْإِسْلَام فِي أَن الْمُنَافِقين كفار وَكَقَوْلِه تَعَالَى {من كَانَ عدوا لله وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال فَإِن الله عَدو للْكَافِرِينَ} وَلَا خلاف فِي أَن جِبْرِيل وَمِيكَائِيل من جملَة الْمَلَائِكَة وَكَقَوْلِه تَعَالَى {فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان} وَالرُّمَّان الرُّمَّان من الْفَاكِهَة وَالْقُرْآن نزل بلغَة الْعَرَب وَالْعرب تعيد الشَّيْء باسمه وَإِن كَانَت قد أجملت ذكره تَأْكِيدًا لأَمره فَبَطل تعلق من تعلق بتفريق الله تَعَالَى بَين الْكفَّار وَالْمُشْرِكين فِي اللَّفْظ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَأما احتجاجهم بِأَن لفظ الشّرك مَأْخُوذ من الشَّرِيك فقد قُلْنَا ان التَّسْمِيَة لله عز وَجل لَا لأحد دونه وَله تَعَالَى أَن يُوقع أَي أسم شَاءَ على أَي مُسَمّى شَاءَ برهَان ذَلِك إِن من أشرك بَين عبيدين لَهُ فِي عمل مَا أَو بَين اثْنَيْنِ فِي هبة وَهبهَا لَهما فَإِنَّهُ لَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم مُشْرك وَلَا يحل أَن يُقَال أَن فلَانا أشرك وَلَا أَن عمله شرك فصح أَنَّهَا لَفْظَة منقولة أَيْضا عَن موضوعها فِي اللُّغَة كَمَا أَن الْكفْر لَفْظَة منقولة أَيْضا عَن موضوعها إِلَى مَا أوقعهَا الله تَعَالَى عَلَيْهِ والتعجب من أهل هَذِه الْمقَالة وَقَوْلهمْ أَن النَّصَارَى لَيْسُوا مُشْرِكين وشركهم أظهر وَأشهر من أَن يجهله أحد لأَنهم يَقُولُونَ كلهم بِعبَادة الْأَب وَالِابْن وروح الْقُدس وَأَن الْمَسِيح إِلَه حق ثمَّ يجْعَلُونَ البراهمة مُشْرِكين وهم لَا يقرونَ إِلَّا بِاللَّه وَحده وَلَقَد كَانَ يلْزم أهل هَذِه الْمقَالة أَن لَا يجْعَلُوا كَافِرًا إِلَّا من جحد الله تَعَالَى فَقَط فَإِن قَالَ قَائِل كَيفَ اتخذ الْيَهُود وَالنَّصَارَى

<<  <  ج: ص:  >  >>