من الماكرين إِلَّا وَهُوَ ماكر وَلَا يعقل أحد مِمَّن يستهزئ إِلَّا وَهُوَ مستهزئ وَلَا يعقل أحد مِمَّن يكيد إِلَّا وَهُوَ كياد وَلَا يعقل من لَهُ كيد ومكر إِلَّا وَهُوَ كياد ومكار وَلَا يكون خَادع إِلَّا يُسمى الخادع الخداع وَذُو خدائع وَلَا يعقل من نسي إِلَّا وَهُوَ ناسٍ وَذُو نِسْيَان هَذَا هُوَ الَّذِي لَا سَبِيل إِلَى أَن يُوجد فِي الْعَالم خِلَافه وَقد قَالَ تَعَالَى {وأكيد كيداً} وَقَالَ تَعَالَى {الله يستهزئ بهم} وَقَالَ تَعَالَى {وَهُوَ خادعهم} وَقَالَ تَعَالَى {أفأمنوا مكر الله} وَقَالَ تَعَالَى {ومكروا ومكر الله وَالله خير الماكرين} وَقَالَ تَعَالَى {قبلهم فَللَّه الْمَكْر جَمِيعًا} وَقَالَ تَعَالَى {نسوا الله فنسيهم} وَقَالَ تَعَالَى {سخر الله مِنْهُم} فيلزمهم إِذا سمعُوا رَبهم تَعَالَى ووصفوا من طَرِيق استدلالهم قياسهم وَمَا شاهدوه فِي الْحَاضِر عِنْدهم أَن يسموه مَاكِرًا فيقولوا يَا ماكر ارحمنا ويسموا بَينهم عبد الماكر وَكَذَلِكَ القَوْل فِي الكياد والمستهزئ وَالْخداع وَالنَّاسِي والساخر وَإِلَّا فقد تناقضوا وتلاعبوا بِصِفَات رَبهم تَعَالَى وبدينهم فَإِن قَالُوا إِن هَذِه الصِّفَات ذمٌ وعيب وَإِنَّمَا نصفه تَعَالَى بِصِفَات الْمَدْح لَزِمَهُم مصيبتان عظيمتان أَحدهمَا إِطْلَاقهم أَن الله عز وَجل أخبر عَن نَفسه فِي هَذِه الْآيَات بِصِفَات الذَّم وَالْعَيْب وَهَذَا كفر وَالثَّانيَِة أَن يصفوا رَبهم بِكُل صفة مدح وَحمد فِيمَا بَينهم وَإِن لم يَأْتِ بهَا نَص وَإِلَّا فقد تناقضوا وَقصرُوا فيصفوه بِأَنَّهُ عَاقل وَأَنه شُجَاع جلد سخي حسن الْأَخْلَاق نزيه النَّفس تَامّ الْمُرُوءَة كَامِل الْفَضَائِل ذُو هَيْئَة نبيل نعم الْمَرْء ويقولوا أَنه تياه قِيَاسا على أَنه تَعَالَى جَبَّار متكبر ويقولوا أَنه مستكبر فَهُوَ والمتكبر فِي اللُّغَة سَوَاء وَذُو تيه وَعجب وَذي هُوَ وَلَا فرق بَين هَذَا وَبَين الْمَكْر والكبرياء فِيمَا بَيْننَا فَإِن فعلوا هَذَا خَرجُوا عَن الْإِسْلَام بِالْإِجْمَاع إِلَّا أَن يعذروا بِشدَّة الْجَهْل وظلمته وعماه وَأَن يَفروا عَن ذَلِك تركُوا مَا قد دانوا بِهِ من تَسْمِيَة الله تَعَالَى وَوَصفه بِأَن لَهُ سمعا وبصراً وَسَائِر مَا وصفوه تَعَالَى بِهِ بآرائهم الْفَاسِدَة مِمَّا لم يَأْتِ بِهِ نصٌ كَقَوْلِهِم قديم ومتكلم ومريد وَأَن لَهُ إِرَادَة لم تزل وَسَائِر مَا اجترؤا عَلَيْهِ بِغَيْر برهَان من الله عز وَجل وَأَيْضًا فَإِن هَذِه الصِّفَات الَّتِي منعُوا مِنْهَا لِأَنَّهَا بزعمهم صِفَات ذمّ فَإِن السّمع وَالْبَصَر والحياة أَيْضا صِفَات نقص لِأَنَّهَا أَعْرَاض دَالَّة على الْحُدُوث فِيمَن هِيَ فِيهِ فَإِن قَالُوا لَيست لله تَعَالَى كَذَلِك قيل لَهُم وَلَا تِلْكَ الصِّفَات أَيْضا إِذا أطلقتموها عَلَيْهِ أَيْضا صِفَات ذمّ وَلَا فرق وَلَقَد قَالَ لي بَعضهم إِنَّمَا قُلْنَا أَن الله تَعَالَى يكيد ويستهزئ ويمكر وينسى وَهُوَ خادعهم على معنى أَنه تَعَالَى يقارضهم على هَذِه الْأَفْعَال مِنْهُم بجزاء يُسمى بأسمائها فَقلت لَهُم نعم هَكَذَا نقُول وَلم ننازعك فِي هَذَا فتستريح إِلَيْهِ بل قُلْنَا لكم سموهُ تَعَالَى مستهزئاً وكياداً وخداعاً وماكراً وناسياً وساخراً على معنى أَنه مقارض لَهُم على هَذِه الْأَفْعَال مِنْهُم بجزاء يُسمى بأسمائها كَمَا قُلْتُمْ فِي يكيد ويستهزئ وينسى وَهُوَ خادعهم سَوَاء بِسَوَاء وَلَا فرق وَقد قُلْتُمْ إِن الْأَفْعَال توجب لفاعلها أَسمَاء فعلهَا فَسكت خاسئاً وَهَذَا مَا لَا انفكاك مِنْهُ وَبِهَذَا وَبِمَا ذكرنَا يُعَارض كل من قَالَ إننا سمينا الله تَعَالَى عَالما لنفي الْجَهْل وقادراً لنفي الْعَجز ومتكلماً لنفي الخرس وَحيا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute