للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لنفي الْمَوْت فَإِنَّهُم لَا ينفكون من هَذَا الْبَتَّةَ وَأما نَحن فلولا النَّص الْوَارِد بعليم وقدير وعالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة وقادر على أَن يخلق مثلهم والحي لما جَازَ أَن يُسمى الله تَعَالَى بِشَيْء من هَذَا أصلا وَلَا يجوز أَن يُقَال حَيّ بحياة الْبَتَّةَ فَإِن قَالُوا كَيفَ يكون حَيّ بِلَا حَيَاة قُلْنَا لَهُم وَكَيف يكون حَيّ غير حساس وَلَا متحرك بِإِرَادَة وَلَا سَاكن بِإِرَادَة هَذَا مَالا يعقل الْبَتَّةَ وَلَا يعرف وَلَا يتَوَهَّم وهم يجرونَ عَلَيْهِ تَعَالَى الْحس وَلَا الْحَرَكَة وَلَا السّكُون فَإِن قَالُوا إِن تسميتنا إِيَّاه حكيماً يُغني عَن عَاقل وكريماً يُغني عَن سخي وجباراً متكبراً يُغني عَن متجبر ومستكبر وتياه وزاه وقوياً يُغني عَن شُجَاع وَجلد قُلْنَا هَذَا ترك مِنْكُم لما أصلتموه من إِطْلَاق السّمع وَالْبَصَر والحياة والإرادة وَأَنه مُتَكَلم واحتجاجكم بِأَن من كَانَ سميعا فَلَا بُد لَهُ من سمع وَمن كَانَ بَصيرًا فَلَا بُد لَهُ من بصر وَمن كَانَ حَيا فَلَا بُد لَهُ من حَيَاة وَمن كَانَ مرِيدا فَلَا بُد لَهُ من إِرَادَة وَمن كَانَ لَهُ كَلَام فَهُوَ مُتَكَلم فأطلقتم كل هَذَا على الله عز وَجل بِلَا برهَان فَإِن نَاب عنْدكُمْ مَا ورد بِهِ النَّص من حَكِيم وَقَوي وكريم ومتكبر وجبار عَن عَاقل وشجاع وسخي ومتجبر ومستكبر وتياه وزاه فَلم تجيزوا أَن تسموا الْبَارِي عز وَجل بشيءٍ من هَذَا فَكَذَلِك فَقولُوا كَمَا قُلْنَا نَحن أَن سمعيا وبصيراً وَحيا وَله كَلَام وَيُرِيد يُغني عَن تَجْوِيز ذكر السّمع وَالْبَصَر والإرادة ومتكلم وَلَا فرق هَذَا على أَن قَوْلكُم إِن قَوِيا يُغني عَن شُجَاع خطأ فَرب قويٌّ غير شُجَاع وشجاع غير قوي وَكَذَلِكَ أَيْضا كَانَ الرَّحْمَن يُغني عَن رَحِيم والخالق يُغني عَن الْبَارِي وَعَن المصور فَإِن قَالُوا لَا يجوز الِاقْتِصَار على بعض مَا أُتِي بِهِ النَّص وَلَا يجوز التَّعَدِّي إِلَى مَا لم يَأْتِ بِهِ النَّص قُلْنَا لَهُم قد اهْتَدَيْتُمْ ووفقتم لرشدكم ولقيتم ربكُم تَعَالَى بِحجَّة ظَاهِرَة فِي أَنكُمْ لم تتعدوا حُدُوده وَلَا ألحدتم فِي أَسْمَائِهِ وَلَا حالفتم مَا أَمركُم بِهِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق مَعَ أَن الَّذِي ألزمناهم هُوَ ألزم لَهُم مِمَّا التزموه لِأَن بِالضَّرُورَةِ نعلم نَحن وهم أَن الْفِعْل لَا يقوم بِنَفسِهِ وَلَا بُد لَهُ ضَرُورَة من أَن يُضَاف إِلَى فَاعله فَلَا بُد أَيْضا من إِضَافَة الْفَاعِل إِلَيْهِ على معنى وَصفَة بِأَن فعله هَذَا مَا لَا يقوم فِي الْعقل وجود شئ فِي الْعَالم بِخِلَاف هَذِه الرُّتْبَة وَقد وجدنَا فِي الْعَالم أَشْيَاء كَثِيرَة لَا تحْتَاج إِلَى وصفهَا بِصفة لتنفي عَنْهَا ضد تِلْكَ الصّفة كالسماء وَالْأَرْض لَا يجوز أَن يُوصف مِنْهَا شئ بالبصر لنفي الْعمي وَلَا بالعمي لنفي الْبَصَر فَإِذا لم نضطر إِلَى ذَلِك فِي وصف الْأَشْيَاء فِيمَا بَيْننَا بَطل قياسهم الْبَارِي تَعَالَى على بعض مَا فِي الْعَالم وَكَانَ إِطْلَاق شئ من جَمِيع الصِّفَات على خَالق الصِّفَات والموصوفين أبعد وَأَشد امتناعاً إِلَّا بِمَا سمى بِهِ نَفسه فَنقرَ بذلك وندري أَنه حق وَلَا نتعداه إِلَى مَا سواهُ فَلَا يستحي من الْتزم إِذا وجد أَشْيَاء من الْعَالم تُوصَف بِالْحَيَاةِ لنفي الْمَوْت وبالبصر لنفي الْعمي وَلم يجر على قِيَاسه هَذَا الْفَاسِد من أَن يَأْتِي بتسميته مستهزئاً وكياداً وَقد قَالَ تَعَالَى أَنه يستهزئ ويكيد فَهَلا إِذْ وَفقه الله تَعَالَى للإمساك عَن تصريف الْفِعْل هَاهُنَا جري على ذَلِك التَّوْفِيق فَلم يزدْ على نَص الله تَعَالَى من سميع وبصير وَحي شَيْئا أصلا وَلَكِن التَّنَاقُض سهل من لم يعتصم

<<  <  ج: ص:  >  >>