قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقد رَأَيْت بِخَط الْأَمِير أبي مُحَمَّد عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن الناصري رَحمَه الله قَالَ حَدثنِي مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة الْقرشِي أَنه رأى بِالْهِنْدِ بداله اثْنَان وَسَبْعُونَ ألف سنة وَقد وجد مَحْمُود بن سبكتكين بِالْهِنْدِ مَدِينَة يؤرخونها بأربعمائة ألف سنة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد إِلَّا أَن لكل لَك ذَلِك أَولا ومبدأ وَلَا بُد من نِهَايَة لم يكن شَيْء من الْعَالم مَوْجُودا قبلهَا وَللَّه الْأَمر من قبل وَمن بعد وَمِمَّا اعْترض بِهِ بَعضهم إِن قَالَ أَنْتُم تَقولُونَ أَن أهل الْجنَّة يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَيلبسُونَ ويطأون النِّسَاء وَأَن هُنَاكَ جرارى أَبْكَارًا خَلقهنَّ لَهُم وَذَلِكَ الْمَكَان لَا فَسَاد فِيهِ وَلَا اسْتِحَالَة وَلَا مزاج وَهَذِه أَشْيَاء كوائن فواسد فَكيف الْأَمر
قَالَ أَبُو مُحَمَّد أَن هَاهُنَا ثَلَاثَة أجوبة أَحدهَا برهَان ضَرُورِيّ سَمْعِي وَالثَّانِي برهَان نَظَرِي مشَاهد وَالثَّالِث إقناعي خَارج على أصُول الْمعَارض لنا فَالْأول وَهُوَ الَّذِي يعْتَمد عَلَيْهِ وَهُوَ أَن الْبُرْهَان الضَّرُورِيّ قد قدمْنَاهُ على أَن الله عز وَجل خلق الْأَشْيَاء وابتدعها مخترعاً لَهَا لَا من شَيْء وَلَا على أصل مُتَقَدم وَإِذ لَا شكّ فِي هَذَا فَلَيْسَ شَيْء متوهم أَو مسئول يتَعَذَّر من قدرَة الْخَالِق عز وَجل إِذْ كل مَا شَاءَ تكوينه كَونه وَلَا فرق بَين خلقه عز وَجل كل ذَلِك فِي هَذِه الدَّار وَبَين خلقه كَذَلِك فِي الدَّار الْآخِرَة وَقد أخبرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي قَامَت الْبَرَاهِين الضرورية على أَن الله عز وَجل بَعثه إِلَيْنَا ووسطه للتبليغ عَنهُ وعَلى صدقه فَمَا أخبر بِهِ أَن الْأكل وَالشرب واللباس والوطيء هُنَالك وَكَانَ هَذَا الْخَبَر الَّذِي اُخْبُرْنَا بِهِ الصَّادِق عَلَيْهِ السَّلَام دَاخِلا فِي حد الْمُمكن لَا فِي الْمُمْتَنع ثمَّ لما أخبرنَا الله تَعَالَى بِهِ على لِسَان رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَحَّ الْوَاجِب علمنَا بِهِ ضَرُورَة فَبَان أَنه فِي حد وَأما الْجَواب الثَّانِي فَهُوَ أَن الله عز وَجل خلق أَنْفُسنَا ورتب جواهرها وطباعها الذاتية رُتْبَة لَا تستحيل الْبَتَّةَ على التذاذ المطاعم والمشارب والروائح الطّيبَة والمناظر الْحَسَنَة والأصوات المطربة والملابس المعجبة على حسب مُوَافقَة كل ذَلِك لجوهر أَنْفُسنَا هَذَا مَالا مدفع فِيهِ وَلَا شكّ فِي أَن النُّفُوس هِيَ الملتذة بِكُل مَا ذكرنَا وَأَن الْحَواس الجسدية هِيَ المنافذ الموصلة لهَذِهِ الملاذ إِلَى النُّفُوس وَكَذَلِكَ المكاره كلهَا وَأما الْجَسَد فَلَا حس لَهُ الْبَتَّةَ فَهَذِهِ طبيعة جَوْهَر أَنْفُسنَا الَّتِي لَا سَبِيل إِلَى وجودهَا دونهَا إِذا جمع الله يَوْم الْقِيَامَة بَين أَنْفُسنَا وَبَين الأجساد المركبة لَهَا وعادت كَمَا كَانَت جوزيت هُنَالك ونعمت بملاذها وَبِمَا تستدعيه طباعها الَّتِي لم تُوجد قطّ إِلَّا كَذَلِك وَلَا لَهَا لَذَّة سواهَا إِلَّا أَن الطَّعَام الَّذِي هُنَالك غير مَعَاني ينار وَلَا ذُو آفَات وَلَا مُسْتَحِيل قذراً ودماً وَلَا ذبح هُنَالك وَلَا آلام وَلَا تغير وَلَا موت وَلَا فَسَاد وَقد قَالَ الله تَعَالَى {لَا يصدعون عَنْهَا وَلَا ينزفون}