الْغَيْب فَإِنَّمَا يفهم من كل ذَلِك أَن هَهُنَا لَهُ تَعَالَى مَعْلُومَات وَأَنه لايخفى عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يفهم مِنْهُ الْبَتَّةَ أَن لَهُ علما هُوَ غَيره وَهَكَذَا نقُول فِي يقدر وَفِي غير ذَلِك كُله وَأما قَوْلهم أننا نقُول أَنه تَعَالَى عَالم بِنَفسِهِ وَلَا نقُول أَنه قَادر على نَفسه فقد كذب من قَالَ ذَلِك وإفك بل كل ذَلِك سَوَاء وَهُوَ تَعَالَى قَادر على نَفسه كَمَا هُوَ عَالم بهَا وَلَا فرق بَين ذَلِك وَقد سقط عَن هَذَا السُّؤَال جملَة وَقد تكلمنا على تَفْصِيل هَذَا السُّؤَال بعد هَذَا ويلزمهم ضَرُورَة إِذْ قَالُوا أَنه تَعَالَى غير قَادر على نَفسه أَنه عَاجز عَن نَفسه وَإِطْلَاق هَذَا كفر صَرِيح وَأما قَوْلهم أَنه قد يعلم الله تَعَالَى قَادِرًا من لَا يُعلمهُ عَالما ويعلمه عَالما من لَا يُعلمهُ قَادِرًا فَلَا حجَّة فِي ذَلِك لِأَن جهل من جهل الْحق لَيْسَ بِحجَّة على الْحق وَقد نجد من يعلم الله عز وَجل ويعتقد فِيهِ أَنه عز وَجل جسم فَلَيْسَتْ الظنون حجَّة فِي إبِْطَال حق وَلَا فِي تَحْقِيق بَاطِل فصح أَن علم الله تَعَالَى حق وَقدرته حق وقوته حق وكل ذَلِك لَيْسَ هُوَ غير الله تَعَالَى وَلَا الْعلم غير الْقُدْرَة وَلَا الْقُدْرَة غير الْعلم إِذْ لم يَأْتِ دَلِيل بِغَيْر هَذَا لَا من عقل وَلَا من سمع وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وحهم بن صَفْوَان سمرقندي يكنى أَبَا مُحرز مولى لبني راسب من الأزد وَكَانَ كالبا لِلْحَارِثِ ابْن شُرَيْح التَّمِيمِي أَيَّام قِيَامه بخراسان وظفر مُسلم بن أحوز التَّمِيمِي بجهم فِي تِلْكَ الْأَيَّام فَضرب عُنُقه
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَمعنى كل مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من الْآيَات الَّتِي ذكرُوا هُوَ مَا نبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى بحوله عز وَجل
هُوَ أَنه لما أخبرنَا الله عز وَجل بِأَن أهل النَّار لَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ وَأخْبرنَا عز وَجل بِأَنَّهُ يعلم مَتى تقوم السَّاعَة وَأخْبرنَا مَا تَقول أهل الْجنَّة وَأهل النَّار قبل أَن يَقُولُوا أَو سَائِر مَا فِي الْقُرْآن وَالْأَخْبَار الصادقة عَمَّا لم يكن بعد علمنَا بذلك إِن علمه تَعَالَى بالأشياء كلهَا مقدم لوجودها ولكونها ضَرُورَة وَعلمنَا أَن كَلَامه عز وَجل لَا يتناقض وَلَا يتدافع وَأَن المُرَاد بقوله تَعَالَى حَتَّى نعلم الْمُجَاهدين مِنْكُم وَسَائِر مَا فِي الْقُرْآن من مثل هَذَا إِنَّمَا هُوَ على ظَاهره دون تكلّف تَأْوِيل بل على الْمَعْهُود بَيْننَا كَقَوْلِه تَعَالَى {فقولا لَهُ قولا لينًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} فَمَا هُوَ كُله على حسب إِدْرَاك لمخاطب وَمعنى ذَلِك أَي حَتَّى نعلم من يُجَاهد مِنْكُم مُجَاهدًا ونعلم من يصير مِنْكُم صَابِرًا وَهَذَا لَا يكون إِلَّا فِي حِين جهادهم وَحين صبرهم وَأما قبل أَن يجاهدوا ويصبروا فَإِنَّمَا علمهمْ غير مجاهدين وَغير صابرين وَأَنَّهُمْ سيجاهدون ويصبرون فَإِذا جاهدوا علمهمْ حينئذٍ مجاهدين وَإِنَّمَا الزَّمَان فِي كل هَذَا للعلوم وَأما علمه تَعَالَى فَفِي غير زمَان وَلَيْسَ هَهُنَا تبدل علم وَإِنَّمَا يتبدل الْمَعْلُوم فَقَط وَالْعلم بِكُل ذَلِك لم يزل غير متبدل فَإِن قَالُوا مَتى علم الله زيدا مَيتا