للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِالْقِيَاسِ أَن يُقَاس الشَّيْء إِلَّا على نَظِيره وَأما أَن يُقَاس الشَّيْء على خِلَافه من كل جِهَة وعَلى مَا لَا يُشبههُ فِي شَيْء الْبَتَّةَ فَهَذَا مَا لَا يجوز أصلا عِنْد أحد فَكيف وَالْقِيَاس كُله بَاطِل لَا يجوز وَأَيْضًا فَإِن الْحَيَاة الَّتِي لَا يعرف أحد بِالْعقلِ حَيَاة غَيرهَا إِنَّمَا هِيَ الْحس وَالْبركَة الإرادية وَلَا يعرف أحد الْحَيّ إِلَّا بالإحساس المتحرك بِإِرَادَة وَهَذَا أَمر يعرف بِالضَّرُورَةِ فَمن أنكر ذَلِك فقد أنكر الْحس والمشاهدة والضرورة وَخرج عَن أَن يكلم فَإِن قَالَ قَائِل مِنْهُم إِن الْموَات قد يَتَحَرَّك فَلم يزدْ على أَن أبان عَن قُوَّة جَهله لِأَنَّهُ إِنَّمَا قُلْنَا الْحَرَكَة الإرادية فَإِذا لم يفرق هَذَا الْجَاهِل بَين الْحَرَكَة الإرادية والاضطرارية فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يتَعَلَّم قبل أَن يتَكَلَّم وكل حَرَكَة ظَهرت من غير حَيّ فَلَيْسَتْ حَرَكَة إرادية لَهُ لَكِنَّهَا تَحْرِيك المحرك لَهُ إِمَّا الْبَارِي تَعَالَى وَإِمَّا من دونه وَمِمَّا يبطل قَوْلهم ضَرُورَة أَنه إِنَّمَا سمي تَعَالَى حَيا لِأَنَّهُ عَالم فَأَرَادَ وجودنا أَحيَاء كَثِيرَة لَيْسُوا عُلَمَاء وَلَا قَادِرين كالأطفال حِين ولادتهم وكالنائم المستقل وكالمخدور من المجانين وكضعاف الدُّود والصوداب وَمَا لَا ينْتَقل عَن مَحَله كالوصل وَغَيره وكالمريض من سَائِر الْحَيَوَان فَهَذِهِ كلهَا أَحيَاء لَيْسَ شَيْء مِنْهَا عَالما وَلَا قَادِرًا فصح ضَرُورَة أَنه لَا معنى للحياة يرتبط بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة لمن الْحق فِي ذَلِك أَن بعض الْأَحْيَاء عَالم قَادر وَلَيْسَ كل حَيّ عَالما قَادِرًا وَلَا سَبِيل إِلَى وجود حَيّ غير حساس وَلَا متحرك بِإِرَادَة فَإِن ذكرُوا الْمَعْنى عَلَيْهِ فَذَلِك عَائِد عَلَيْهِم لِأَنَّهُ لَيْسَ عَالما وَلَا قَادِرًا وَأما الْحس فَفِيهِ بِالضَّرُورَةِ وَلَو جش جشاً قَوِيا لتألم ولأخبر بذلك عِنْد انتباهه وَكَذَلِكَ الْحس وَالْحَرَكَة الإرادية باقيان لَا بُد فِي بعض أَعْضَاء المخدور والمغمى عَلَيْهِ وَلَا بُد وَقد بَينا الْوَاجِب فِي هَذَا وَهُوَ أَنه لَا يُسمى الله عز وَجل وَلَا نخبر عَنهُ من طَرِيق الِاسْتِدْلَال باسم يُشَارِكهُ فِيهِ شَيْء من خلقه وَلَا بِخَبَر يُشَارِكهُ فِيهِ شَيْء من خلقه وَلَكنَّا نقُول أَنه تَعَالَى لَا يجهل شَيْئا أصلا وَهَذِه صفة لَا يَسْتَحِقهَا أحد دونه تَعَالَى ونقول لَا يغْفل الْبَتَّةَ وَلَا يضل وَلَا يسهو وَلَا ينَام وَلَا يتحير وَلَا ينْحل وَلَا يخفى عَلَيْهِ متوهم وَلَا يعجز عَن مسئول عَنهُ وَلَا ينسى وكل هَذَا فَلَا يسْتَحقّهُ مَخْلُوق دونه تَعَالَى أصلا ثمَّ نفر بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن وَالسّنَن كَمَا جَاءَ لَا نزيد وَلَا ننقص مِنْهُ وَلَا نحيله فنؤمن بِأَنَّهُ بِخِلَاف الْمَعْهُود فِيمَا يَقع عَلَيْهِ ذَلِك اللَّفْظ من خلقه وَأما لفظ الصّفة فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة وَفِي جَمِيع اللُّغَات فَإِنَّمَا هُوَ عبارَة عَن معنى مَحْمُول فِي الْمَوْصُوف بهَا لَا معنى للصفة غير هَذَا الْبَتَّةَ وَهَذَا أَمر لَا يجوز إِضَافَته إِلَى الله تَعَالَى الْبَتَّةَ إِلَّا أَن يَأْتِي نَص بِشَيْء أخبر الله تَعَالَى بِهِ عَن نَفسه فَيُؤمن بِهِ وندري حِينَئِذٍ أَنه اسْم علم لَا مُشْتَقّ من صفة أصلا وَأَنه خبر عَنهُ تَعَالَى لَا يُرَاد بِهِ غَيره عز وَجل وَلَا يرجع مِنْهُ إِلَى سواهُ الْبَتَّةَ وَالْعجب كل الْعجب لَهُم يسمون الله حَيا لأَنهم لم يَجدوا الْفِعْل يَقع إِلَّا من حَيّ ثمَّ يَقُولُونَ أَنه لَا كالأحياء فعادوا إِلَى دليلهم فأفسدوه لأَنهم إِذا أوجبوا وُقُوع الْفِعْل من حَيّ لَيْسَ كالأحياء الَّذين لَا تقع الْأَفْعَال إِلَّا مِنْهُم فقد أبطلوا أَن يكون ظُهُور الْأَفْعَال دَلِيلا على أَنَّهَا من حَيّ كَمَا عهدوه

<<  <  ج: ص:  >  >>