قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقَالَت أَيْضا هَذِه الطَّائِفَة المنتمية إِلَى الأشعرية أَن كَلَام الله تَعَالَى عز وَجل لم ينزل بِهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على قلب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا نزل عَلَيْهِ بِشَيْء آخر هُوَ عبارَة عَن كَلَام الله تَعَالَى وَأَن الَّذِي نَقْرَأ فِي الْمَصَاحِف وَيكْتب فِيهَا لَيْسَ شَيْء مِنْهَا كَلَام الله وَأَن كَلَام الله تَعَالَى الَّذِي لم يكن ثمَّ كَانَ وَلَا يحل لأحد أَن يَقُول إِنَّمَا قُلْنَا إِن الله تَعَالَى لَا يزايل الْبَارِي وَلَا يقوم بِغَيْرِهِ وَلَا يحل فِي الْأَمَاكِن وَلَا ينْتَقل وَلَا هُوَ حُرُوف موصلة وَلَا بعضه خير من بعض وَلَا أفضل وَلَا أعظم من بعض وَقَالُوا لم يزل الله تَعَالَى قَائِلا لِجَهَنَّم {هَل امْتَلَأت} وقائلاً للْكفَّار {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} وَلم يزل تَعَالَى قَائِلا لكل مَا أَرَادَ تكوينه كن
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا كفر مُجَرّد بِلَا تَأْوِيل وَذَلِكَ أننا نسألهم عَن الْقُرْآن أهوَ كَلَام الله أم لَا فَإِن قَالَ لَيْسَ هُوَ كَلَام الله كفرُوا بِإِجْمَاع الْأمة وَإِن قَالُوا بل هُوَ كَلَام الله سألناهم عَن الْقُرْآن أهوَ الَّذِي يُتْلَى فِي الْمَسَاجِد وَيكْتب فِي الْمَصَاحِف ويحفظ فِي الصُّدُور أم لَا فَإِن قَالُوا لَا كفرُوا بِإِجْمَاع الْأمة وَإِن قَالُوا نعم تركُوا قَوْلهم الْفَاسِد وقروا أَن كَلَام الله تَعَالَى فِي الْمَصَاحِف ومسموع من الْقُرَّاء ومحفوظ فِي الصُّدُور كَمَا يَقُول جَمِيع أهل الْإِسْلَام
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقَالَ قوم فِي اللَّفْظ بِالْقُرْآنِ ونسبوا إِلَى أهل السّنة أَنهم يَقُولُونَ أَن الصَّوْت غير مَخْلُوق والخط غير مَخْلُوق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا بَاطِل وَمَا قَالَ قطّ مُسلم أَن الصَّوْت الَّذِي هُوَ الْهَوَاء غير مَخْلُوق وَأَن الْخط غير مَخْلُوق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَالَّذِي نقُول بِهِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق هُوَ مَا قَالَه الله عز وَجل وَنَبِينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نزيد على ذَلِك شَيْئا وَهُوَ أَن قَول الْقَائِل الْقُرْآن وَقَوله كَلَام الله كِلَاهُمَا معنى وَاحِد واللفظان مُخْتَلِفَانِ وَالْقُرْآن هُوَ كَلَام الله عز وَجل على الْحَقِيقَة بِلَا مجَاز ونكفر من لم يقل ذَلِك ونقول أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام نزل بِالْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ كَلَام الله تَعَالَى على الْحَقِيقَة على قلب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قَالَ تَعَالَى {نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك لتَكون من الْمُنْذرين} ثمَّ نقُول أَن قَوْلنَا الْقُرْآن وَقَوْلنَا كَلَام الله لفظ مُشْتَرك يعبر بِهِ عَن خَمْسَة أَشْيَاء فنسمي الصَّوْت المسموع الملفوظ بِهِ قُرْآنًا ونقول أَنه كَلَام الله تَعَالَى على الْحَقِيقَة وبرهان ذَلِك هُوَ قَول الله عز وَجل {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله} وَقَوله تَعَالَى {وَقد كَانَ فريق مِنْهُم يسمعُونَ كَلَام الله ثمَّ يحرفونه من بعد مَا عقلوه} وَقَوله تَعَالَى {فاقرؤوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن} وَأنكر على الْكفَّار وَصدق مؤمني الْجِنّ فِي قَوْلهم {إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد} فصح أَن المسموع وَهُوَ الصَّوْت الملفوظ بِهِ هُوَ الْقُرْآن حَقِيقَة وَهُوَ كَلَام الله تَعَالَى حَقِيقَة من خَالف هَذَا فقد عاند الْقُرْآن وَيُسمى الْمَفْهُوم من ذَلِك الصَّوْت قُرْآنًا وَكَلَام الله على الْحَقِيقَة فَإِذا فسرنا الزَّكَاة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن وَالصَّلَاة وَالْحج وَغير ذَلِك قُلْنَا فِي كل هَذَا كَلَام الله هُوَ الْقُرْآن ونسمي الْمُصحف كُله قُرْآنًا وَكَلَام الله وبرهاننا على ذَلِك قَول الله عز وَجل {إِنَّه لقرآن كريم فِي كتابٍ مَكْنُون} وَقَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ نهى أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْحَرْب لِئَلَّا يَنَالهُ الْعَدو وَقَوله تَعَالَى {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب وَالْمُشْرِكين منفكين حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة رَسُول من الله يَتْلُو صحفاً مطهرة فِيهَا كتب قيمَة} وَكتاب الله تَعَالَى هُوَ الْقُرْآن بِإِجْمَاع الْأمة فقد سمى