للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله لَهُم الْفِعْل وَكَذَلِكَ نقُول إِن الْإِنْسَان يصنع لِأَن النَّص قد جَاءَ بذلك وَلَوْلَا النَّص مَا أطلقنا شَيْئا من هَذَا وَكَذَلِكَ لما قَالَ الله تَعَالَى {وَفَاكِهَة مِمَّا يتخيرون} علمنَا أَن للْإنْسَان اخْتِيَارا لِأَن أهل الدُّنْيَا وَأهل الْجنَّة سَوَاء فِي أَنه تَعَالَى خَالق أَعمال الْجَمِيع على أَن الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ {وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار مَا كَانَ لَهُم الْخيرَة} فَعلمنَا أَن الِاخْتِيَار الَّذِي هُوَ فعل الله تَعَالَى وَهُوَ منفي عَن سواهُ هُوَ غير الِاخْتِيَار الَّذِي أَضَافَهُ إِلَى خلقه ووصفهم بِهِ وَوجدنَا هَذَا أَيْضا حسا لِأَن الاخنبار الَّذِي توَحد الله تَعَالَى بِهِ هُوَ أَن يفعل مَا يَشَاء كَيفَ شَاءَ وَإِذا شَاءَ وَلَيْسَت هَذِه صفة شَيْء من خلقه وَأما الِاخْتِيَار الَّذِي أَضَافَهُ الله تَعَالَى إِلَى خلقه فَهُوَ مَا خلق فيهم من الْميل إِلَى شَيْء مَا والإيثار لَهُ على غَيره فَقَط وَهنا غَايَة الْبَيَان وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَمِنْهَا أَن الِاشْتِرَاك فِي الْأَسْمَاء لَا يَقع من أَجله التشابه أَلا ترى انك تَقول الله الْحَيّ وَالْإِنْسَان حَيّ وَالْإِنْسَان حَلِيم كريم عليم وَالله تَعَالَى حَكِيم كريم عليم فَلَيْسَ هَذَا يُوجب اشتباهاً بِلَا خلاف وَإِنَّمَا يَقع الِاشْتِبَاه بِالصِّفَاتِ الْمَوْجُودَة فِي الموصوفين وَالْفرق بَين الْفِعْل الْوَاقِع من الله عز وَجل وَالْفِعْل الْوَاقِع منا هُوَ أَن الله تَعَالَى اخترعه وَجعله جسماً أَو عرضا أَو حَرَكَة أَو سكوناً أَو معرفَة أَو إِرَادَة أَو كَرَاهِيَة وَفعل عز وَجل كل ذَلِك فِينَا بِغَيْر معاناة مِنْهُ وَفعل تَعَالَى لغيره عِلّة وَأما نَحن فَإِنَّمَا كَانَ فعلا لنا لِأَنَّهُ عز وَجل خلقه فِينَا وَخلق اختيارنا لَهُ وأظهره عز وَجل فِينَا مَحْمُولا لِاكْتِسَابِ مَنْفَعَة أَو لدفع مضرَّة وَلم نخترعه نَحن وَأما من قَالَ بالاستطاعة قبل الْفِعْل فعمدة حجتهم أَن قَالُوا لَا يَخْلُو الْكَافِر من أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون مَأْمُورا بِالْإِيمَان أَو لَا يكون مَأْمُورا بِهِ فَإِن قُلْتُمْ أَنه غير مَأْمُور بِالْإِيمَان فَهَذَا كفر مُجَرّد وَخلاف لِلْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاع وَإِن قُلْتُمْ هُوَ مَأْمُور بِإِيمَان وَهَكَذَا تَقولُونَ فَلَا يَخْلُو من أحد وَجْهَيْن إِمَّا أَن يكون أَمر وَهُوَ يَسْتَطِيع مَا أَمر بِهِ فَهَذَا قَوْلنَا لَا قَوْلكُم أَو يكون أَمر وَهُوَ لَا يَسْتَطِيع مَا أَمر بِهِ فقد نسبتم إِلَى الله عز وَجل تَكْلِيف مَا لَا يُسْتَطَاع ولزمكم أَن تجيزوا تَكْلِيف الْأَعْمَى أَن يرى والمقعد أَن يجْرِي أَو يطلع إِلَى السَّمَاء وَهَذَا كُله جور وظلم والجور وَالظُّلم منفيان عَن الله عز وَجل وَقَالُوا إِذْ لَا يفعل الْمَرْء فعلا إِلَّا بإستطاعة موهوبة من الله عز وَجل وَلَا تَخْلُو تِلْكَ الِاسْتِطَاعَة من أَن يكون الْمَرْء أعطيها وَالْفِعْل مَوْجُود أَو أعطيها وَالْفِعْل غير مَوْجُود فَإِن كَانَ أعطيها وَالْفِعْل مَوْجُود فَلَا حَاجَة بِهِ إِلَيْهَا إِذْ قد وجد الْفِعْل مِنْهُ الَّذِي يحْتَاج إِلَى الِاسْتِطَاعَة ليَكُون ذَلِك الْفِعْل بهَا وَإِن كَانَ أعطيها وَالْفِعْل غير مَوْجُود فَهَذَا قَوْلنَا إِن الِاسْتِطَاعَة قبل الْفِعْل قَالُوا وَالله تَعَالَى يَقُول {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} قَالُوا فَلَو لم تتقدم الِاسْتِطَاعَة الْفِعْل لَكَانَ الْحَج لَا يلْزم أحدا قبل ان يحجّ وَقَالَ تَعَالَى {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام مِسْكين} وَقَالَ تَعَالَى {فَمن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} فَلَو كَانَت الِاسْتِطَاعَة للصَّوْم لَا تتقدم الصَّوْم مَا لَزِمت أحدا الْكَفَّارَة بِهِ وَقَالَ تَعَالَى {وسيحلفون بِاللَّه لَو استطعنا لخرجنا مَعكُمْ يهْلكُونَ أنفسهم وَالله يعلم أَنهم لَكَاذِبُونَ} فصح أَن استطاعة الْخُرُوج مَوْجُودَة مَعَ عدم الْخُرُوج وَقَالَ تَعَالَى {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَلَهُم أَيْضا فِي خلق الْأَفْعَال اعْتِرَاض نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

<<  <  ج: ص:  >  >>