للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالُوا أَن الِاسْتِطَاعَة هِيَ المستطيع وَمنعُوا أَن يكون الْعَجز هُوَ الْعَاجِز وَلَا سَبِيل إِلَى وجود فرق فِي ذَلِك وَبِهَذَا نَفسه يبطل قَول من قَالَ أَن الِاسْتِطَاعَة هِيَ بعض المستطيع سَوَاء بِسَوَاء لِأَن الْعرض لَا يكون بَعْضًا للجسم وَأما من قَالَ أَن الِاسْتِطَاعَة كل مَا توصل بِهِ إِلَى الْفِعْل كالإبرة والدلو وَالْحَبل وَمَا أشبه ذَلِك فَقَوْل فَاسد تبطله الْمُشَاهدَة لِأَنَّهُ قد تُوجد هَذِه الْآلَات وتعدم صِحَة الْجَوَارِح لَا يُمكن الْفِعْل فَإِن قَالُوا قد تعدم هَذِه الْآلَات وتوجد صِحَة الْجَوَارِح وَلَا يُمكن الْفِعْل قُلْنَا صَدقْتُمْ وبوجود هَذِه الْآلَات تمّ الْفِعْل إِلَّا أَن لَفْظَة الِاسْتِطَاعَة الَّتِي فِي مَعْنَاهَا نتنازع هِيَ لَفْظَة قد وضعت فِي اللُّغَة الَّتِي بهَا نتفاهم ونعبر عَن مرادنا على عرض فِي المستطيع فَلَيْسَ لأحد أَن يصرف هَذِه اللَّفْظَة عَن موضوعها فِي اللُّغَة بِرَأْيهِ من غير نَص وَلَا إِجْمَاع وَلَو جَازَ هَذَا لبطلت الْحَقَائِق وَلم يَصح تفاهم أبدا وَقد علمنَا يَقِينا أَن لَفْظَة الِاسْتِطَاعَة لم تقع قطّ فِي اللُّغَة الَّتِي بهَا نتفاهم على حَبل وَلَا على مهماز وَلَا على إبرة فَإِن قَالُوا قد صَحَّ عَن أَئِمَّة اللِّسَان كَابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا إِن الِاسْتِطَاعَة زَاد وراحلة قيل لَهُم نعم وَقد صَحَّ هَذَا وَلَا خلاف بَين أحد لَهُ فهم باللغة أَنَّهُمَا عنيا بذلك الْقُوَّة على وجود زَاد وراحلة وبرهان ذَلِك أَن الزَّاد والرواحل كثير فِي الْعَالم وَلَيْسَ كَونهمَا عنيا فِي الْعَالم مُوجبا عِنْدهمَا فرض الْحَج على مَا لَا يجدهما فصح ضَرُورَة أَنَّهُمَا عنيا بذلك الْقُوَّة على إِحْضَار زَاد وراحلة وَالْقُوَّة على ذَلِك عرض كَمَا قُلْنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَهَكَذَا القَوْل أَيْضا أَن ذكرُوا قَول الله عز وَجل {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل ترهبون بِهِ عَدو الله وَعَدُوكُمْ} لِأَن هَذَا هُوَ نَص قَوْلنَا أَن الْقُوَّة عرض ورباط الْخَيل عرض فَسقط هَذَا القَوْل وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين فَإذْ قد سَقَطت هَذِه الْأَقْوَال كلهَا وَصَحَّ أَن الِاسْتِطَاعَة عرض من الْأَعْرَاض فَوَاجِب علينا معرفَة مَا تِلْكَ الْأَعْرَاض فَنَظَرْنَا ذَلِك بعون الله عز وَجل وتأييده فَوَجَدنَا بِالضَّرُورَةِ الْفِعْل لَا يَقع بِاخْتِيَار إِلَّا من صَحِيح الْجَوَارِح الَّتِي يكون بهَا ذَلِك الْفِعْل فصح يَقِينا أَن سَلامَة الْجَوَارِح وارتفاع الْمَوَانِع استطاعة ثمَّ نَظرنَا سَالم الْجَوَارِح لَا يفعل مُخْتَارًا إِلَّا حَتَّى يستضيف إِلَى ذَلِك إِرَادَة الْفِعْل فَعلمنَا أَن الْإِرَادَة أَيْضا محركة للاستطاعة وَلَا نقُول أَن الْإِرَادَة استطاعة لِأَن كل عَاجز عَن الْحَرَكَة فَهُوَ مُرِيد لَهَا وَهُوَ غير مستطيع وَقد علمنَا ضَرُورَة أَن الْعَاجِز عَن الْفِعْل فَلَيْسَ فِيهِ استطاعة للْفِعْل لِأَنَّهُمَا ضدان والضدان لَا يَجْتَمِعَانِ مَعًا وَلَا يُمكن أَيْضا أَن تكون الْإِرَادَة بعض الِاسْتِطَاعَة لِأَنَّهُ كَانَ يلْزم من ذَلِك أَن فِي تعاجز المريد استطاعة مَا لِأَن بعض الِاسْتِطَاعَة استطاعة وَبَعض الْعَجز عجز ومحال أَن يكون فِي الْعَاجِز عَن الْفِعْل استطاعة لَهُ الْبَتَّةَ فالاستطاعة لَيست عَجزا فَمن اسْتَطَاعَ على شَيْء وَعجز عَن أَكثر مِنْهُ فَفِيهِ استطاعة على مَا يَسْتَطِيع عَلَيْهِ هِيَ غير الِاسْتِطَاعَة الَّتِي فِيهِ على مَا اسْتَطَاعَ عَلَيْهِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق ثمَّ نَظرنَا فَوَجَدنَا السَّالِم الْجَوَارِح المريد للْفِعْل قد يَعْتَرِضهُ دون الْفِعْل مَانع لَا يقدر مَعَه على الْفِعْل أصلا فَعلمنَا أَن هَاهُنَا شَيْئا آخر بِهِ تتمّ الإستطاعة وَلَا بُد وَبِه يُوجد الْفِعْل فَعلمنَا ضَرُورَة أَن هَذَا الشَّيْء إِذْ هُوَ تَمام الِاسْتِطَاعَة وَلَا تصح الِاسْتِطَاعَة إِلَّا بِهِ فَهُوَ بِالْيَقِينِ قُوَّة إِذْ الِاسْتِطَاعَة قُوَّة وَأَن ذَلِك الشَّيْء قُوَّة بِلَا شكّ فقد علمنَا أَنه مَا أَتَى بِهِ من عِنْد الله تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى مؤتي القوى إِذْ لَا يُمكن ذَلِك لأحد دونه عز وَجل فصح ضَرُورَة أَن الِاسْتِطَاعَة صِحَة الْجَوَارِح مَعَ ارْتِفَاع الْمَوَانِع

<<  <  ج: ص:  >  >>