للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَلامَة الْجَوَارِح عرض وَالْعرض لَا يبْقى وَقْتَيْنِ قيل لَهُ هَذِه دَعْوَى بِلَا برهَان والآيات الْمَذْكُورَات مبطلة لهَذِهِ الدَّعْوَى وموجبة أَن هَذِه الِاسْتِطَاعَة من سَلامَة الْجَوَارِح وارتفاع الْمَوَانِع مَوْجُودَة قبل الْفِعْل ثمَّ لَو كَانَ مَا ذكرْتُمْ مَا كَانَ فِيهِ دفع لما قَالَه عز وَجل من ذَلِك ثمَّ وجدنَا الله تَعَالَى قد قَالَ {وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سمعا} وَقَالَ تَعَالَى حاكيا قَول الْخضر لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} وَقَالَ {ذَلِك تَأْوِيل مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا} وَعلمنَا أَن كَلَام الله تَعَالَى لَا يتعارض وَلَا يخْتَلف قَالَ الله تَعَالَى {وَلَو كَانَ من عِنْد غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} فتيقنا أَن الِاسْتِطَاعَة الَّتِي أثبتها الله تَعَالَى قبل الْفِعْل هِيَ غير الِاسْتِطَاعَة الت نفاها مَعَ الْفِعْل وَلَا يجوز غير ذَلِك الْبَتَّةَ فَإذْ ذَلِك كَذَلِك فالاستطاعة كَمَا قُلْنَا شَيْئَانِ أَحدهمَا قبل الْفِعْل وَهُوَ سَلامَة الْجَوَارِح وارتفاع الْمَوَانِع وَالثَّانِي لَا يكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل وَهُوَ الْقُوَّة الْوَارِدَة من الله تَعَالَى بالعون والخذلان وَهُوَ خلق الله تَعَالَى للْفِعْل فِيمَن ظهر مِنْهُ وَسمي من أجل ذَلِك فَاعِلا لما ظهر مِنْهُ إِذْ لَا سَبِيل إِلَى وجود معنى غير هَذَا الْبَتَّةَ فَهَذَا هُوَ حَقِيقَة الْكَلَام فِي الِاسْتِطَاعَة بِمَا جَاءَت بِهِ نُصُوص الْقُرْآن وَالسّنَن وَالْإِجْمَاع وضرورة الْحس وبديهة الْعقل فعلى هَذَا التَّقْسِيم دينا الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فَإِذا نَفينَا وجود الِاسْتِطَاعَة قبل الْفِعْل فَإِنَّمَا نعني بذلك الِاسْتِطَاعَة الَّتِي بهَا يَقع الْفِعْل وَيُوجد وَاجِبا وَلَا بُد وَهِي خلق الله تَعَالَى للْفِعْل فِي فَاعله وَإِذا أثبتنا الِاسْتِطَاعَة قبل الْفِعْل فَإِنَّمَا نعني بهَا صِحَة الْجَوَارِح وارتفاع الْمَوَانِع الَّتِي يكون الْفِعْل بهَا مُمكنا مُتَوَهمًا لَا وَاجِبا وَلَا مُمْتَنعا وَبهَا يكون الْمَرْء مُخَاطبا مُكَلّفا مَأْمُورا مَنْهِيّا وَبعد مهما يسْقط عَنهُ الْخطاب والتكليف وبصير الْفِعْل مِنْهُ مُمْتَنعا وَيكون عَاجِزا عَن الْفِعْل

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَإذْ قد تبين مَا الِاسْتِطَاعَة فَنَقُول بعون الله عز وَجل فِيمَا اعترضت بِهِ الْمُعْتَزلَة الْمُوجبَة للاستطاعة جملَة قبل الْفِعْل وَلَا بُد فَنَقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أَنهم قَالُوا أخبرونا عَن الْكَافِر الْمَأْمُور بِالْإِيمَان أهوَ مَأْمُور بِمَا لَا يَسْتَطِيع أم بِمَا يَسْتَطِيع فجوابنا وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد إننا قد بَينا آنِفا أَن صِحَة الْجَوَارِح وارتفاع الْمَوَانِع استطاعة وحامل هَذِه الصّفة مستطيع بِظَاهِر حَاله من هَذَا الْوَجْه وَغير مستطيع مَا لم يفعل الله عز وَجل فِيهِ مَا بِهِ يكون تَمام استطاعته وَوُجُود الْفِعْل فَهُوَ مستطيع من وَجه غير مستطيع من وَجه آخر وَهَذَا مَعَ أَنه نَص الْقُرْآن كَمَا أوردنا فَهُوَ أَيْضا مشَاهد كالبناء الْمجِيد فَهُوَ مستطيع بِظَاهِر حَاله ومعرفته بِالْبِنَاءِ غير مستطيع للآلات الَّتِي لَا يُوجد الْبناء إِلَّا بهَا وَهَكَذَا فِي جَمِيع الْأَعْمَال وَأَيْضًا فقد يكون الْمَرْء عَاصِيا لله تَعَالَى فِي وَجه مُطيعًا لَهُ فِي آخر مُؤمنا بِاللَّه كَافِرًا بالطاغوت فَإِن قَالُوا فقد نسبتم لله تَكْلِيف مَا لَا يُسْتَطَاع قُلْنَا هَذَا بَاطِل مَا نسبنا إِلَيْهِ تَعَالَى إِلَّا مَا أخبر بِهِ عَن نَفسه أَنه لَا يُكَلف أحدا إِلَّا مَا يَسْتَطِيع بسلامة جوارحه وَقد يكلفه مَا لَا يَسْتَطِيع فِي علم الله تَعَالَى لَان الِاسْتِطَاعَة الَّتِي بهَا يكون الْفِعْل لَيست فِيهِ بعد وَلَا يجوز أَن يُطلق على الله تَعَالَى أحد الْقسمَيْنِ دون الآخر وَأما قَوْلهم أَن هَذَا كتكليف المقعد الجري أَو الْأَعْمَى النّظر وَإِدْرَاك الألوان والارتفاع إِلَى السَّمَاء فَإِن هَذَا بَاطِل لِأَن هَؤُلَاءِ لَيْسَ فيهم شَيْء من قسمى الِاسْتِطَاعَة فَلَا استطاعة لَهُم أصلا وَأما الصَّحِيح الْجَوَارِح فَفِيهِ أحد قسمى الِاسْتِطَاعَة وَهُوَ سَلامَة الْجَوَارِح وَلَوْلَا أَن الله عز وَجل آمننا بقوله تَعَالَى {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج}

<<  <  ج: ص:  >  >>