بتصديقهم فِي ذَلِك إِذْ قد نَصه الله تَعَالَى علينا غير مُنكر لَهُ بل مُصدقا لَهُم وَهَذَا لَا يردهُ إِلَّا مخذول وَقَالَ عز وَجل {وعرضنا جَهَنَّم يَوْمئِذٍ للْكَافِرِينَ عرضا الَّذين كَانَت أَعينهم فِي غطاء عَن ذكري وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سمعا} فنص تَعَالَى نصا جلياً على أَنهم كَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ السّمع الَّذِي أمروا بِهِ وَأَنَّهُمْ مَعَ ذَلِك كَانَت أَعينهم فِي غطاء عَن ذكر الله عزو جلّ وَمَعَ ذَلِك استحقوا على ذَلِك جَهَنَّم وَكَانُوا فِي ظَاهر الْأَمر مستطيعون بِصِحَّة جوارحهم وَهَذَا نَص قَوْلنَا بِلَا تكلّف وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين على هداه لنا وتوفيقه إيانا لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَقَالَ تَعَالَى {إِذْ يَقُول الظَّالِمُونَ إِن تتبعون إِلَّا رجلا مسحوراً انْظُر كَيفَ ضربوا لَك الْأَمْثَال فضلوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} فنفى الله عز وَجل عَنْهُم استطاعة شَيْء من السبل غير سَبِيل الضلال وَحده وَفِي هَذَا كِفَايَة لمن عقل وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لنَفس أَن تؤمن إِلَّا بِإِذن الله} فنص تَعَالَى على أَن من لم يَأْذَن لَهُ فِي الْإِيمَان لم يُؤمن وَإِن من أذن لَهُ فِي الْإِيمَان آمن وَهَذَا الْأذن هُوَ التَّوْفِيق الَّذِي ذكرنَا فَيكون بِهِ الْإِيمَان وَلَا بُد وَعدم الْأذن هُوَ الخذلان الَّذِي ذكرنَا نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ وَقَالَ تَعَالَى حاكياً عَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ومصدقاً لَهُ إِذْ يَقُول {وَإِلَّا تصرف عني كيدهن أصب إلَيْهِنَّ وأكن من الْجَاهِلين فَاسْتَجَاب لَهُ ربه فصرف عَنهُ كيدهن} فنص تَعَالَى على أَن رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لم يعنه بِصَرْف الكيد عَنهُ صبا وَجَهل وَأَنه تَعَالَى صرف الكيد عَنهُ فَسلم وَهَذَا نَص جلي على أَنه إِذا وَفقه اعْتصمَ واهتدى وَقَالَ تَعَالَى حاكياً عَن إِبْرَاهِيم خَلِيله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومصدقاً لَهُ {لَئِن لم يهدني رَبِّي لأكونن من الْقَوْم الضَّالّين} فَهَذَا نَص على أَن من أعطَاهُ الله عز وَجل قُوَّة الْإِيمَان آمن واهتدى وَأَن من مَنعه تِلْكَ الْقُوَّة كَانَ من الضَّالّين وَهَذَا نَص قَوْلنَا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَقَالَ تَعَالَى {واصبر وَمَا صبرك إِلَّا بِاللَّه} فنص تَعَالَى على أَنه أمره بِالصبرِ ثمَّ اخبره أَنه لَا صَبر لَهُ إِلَّا بعون الله تَعَالَى فَإِذا أَعَانَهُ بِالصبرِ صَبر وَقَالَ تَعَالَى {إِن تحرص على هدَاهُم فَإِن الله لَا يهدي من يضل} وَهَذَا نَص جلي على أَن من أضلّهُ الله تَعَالَى بالخذلان لَهُ فَلَا يكون مهتدياً وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن جعلنَا بَيْنك وَبَين الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة حِجَابا مَسْتُورا وَجَعَلنَا على قُلُوبهم أكنة أَن يفقهوه وَفِي آذانهم وقرا} فَهَذَا نَص لَا إِشْكَال فِيهِ على أَن الله عز وَجل مَنعهم أَن يفقهوه فَإِن قَالَ قَائِل إِنَّمَا قَالَ تَعَالَى أَنه يفعل ذَلِك بالذين لَا يُؤمنُونَ وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين} {كَذَلِك يطبع الله على قُلُوب الْكَافرين} قيل لَهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق لَو صَحَّ لَك هَذَا التَّأْوِيل لَكَانَ حجَّة عَلَيْك لِأَنَّهُ تَعَالَى قد مَنعهم للتوفيق وسلط عَلَيْهِم الخذلان وأضلهم وطبع على قُلُوبهم فاجعله كَيفَ شِئْت فَكيف وَلَيْسَ ذَلِك على مَا تأولت وَلَكِن الْآيَات ظواهرها وعَلى مَا يَقْتَضِيهِ لَفظهَا دون تكلّف هُوَ أَن الله تَعَالَى لما أضلهم صَارُوا ضَالِّينَ فاسقين حِين أضلهم لَا قبل أَن يضلهم وَكَذَلِكَ إِنَّمَا صَارُوا لَا يُؤمنُونَ حِين جعل بَينهم وَبَينه حِجَابا وَحين جعل على قُلُوبهم أكنة وَفِي آذانهم الوقر لَا قبل ذَلِك وَإِنَّمَا صَارا كَافِرين حِين طبع على قُلُوبهم لَا قبل ذَلِك وَقَالَ تَعَالَى {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاك لقد كدت تركن إِلَيْهِم شَيْئا قَلِيلا} فنص تَعَالَى على أَنه لَوْلَا أَن ثَبت نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتوفيق لركن إِلَيْهِم فَإِنَّمَا يثبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ثبته الله عز وَجل لَا قبل ذَلِك وَلَو لم يُعْطه التثبيت وخذله لركن إِلَيْهِم وضل وَاسْتحق الْعَذَاب على ذَلِك ضعف الْحَيَاة وَضعف الْمَمَات فتباً لكل مخذول يظنّ فِي نَفسه الخسيسة أَنه مستغن عَمَّا افْتقر إِلَيْهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من توفيق الله وتثبيته وَإنَّهُ قد استوفى من الْهدى مَالا مزِيد عَلَيْهِ وَإنَّهُ لَيْسَ عِنْد ربه أفضل مِمَّا أعطَاهُ بعد وَلَا أَكثر وَقد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute