للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والطبع والأكنة على الْقُلُوب وَقد فسر الله كل ذَلِك تَفْسِيرا جلياً وَأَيْضًا فَإِنَّهَا أَلْفَاظ عَرَبِيَّة مَعْرُوفَة الْمعَانِي فِي اللُّغَة الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن فَلَا يحل لأحد صرف لَفْظَة مَعْرُوفَة الْمَعْنى فِي اللُّغَة عَن مَعْنَاهَا الَّذِي وضعت لَهُ فِي اللُّغَة الَّتِي بهَا خاطبنا الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن إِلَى معنى غير مَا وضعت لَهُ إِلَّا أَن يَأْتِي نَص قُرْآن أَو كَلَام عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو إِجْمَاع من عُلَمَاء الْأمة كلهَا على أَنَّهَا مصروفة عَن ذَلِك الْمَعْنى إِلَى غَيره أَو يُوجب صرفهَا ضَرُورَة حس أَو بديهة عقل فَيُوقف حِينَئِذٍ عِنْدَمَا جَاءَ من ذَلِك وَلم يَأْتِ فِي هَذِه الْأَلْفَاظ الَّتِي أضلهم الله تَعَالَى فِيهَا وَخَيرهمْ الشَّيْطَان عَن فهمها نَص وَلَا إِجْمَاع وَلَا ضَرُورَة بِأَنَّهَا مصروفة عَن موضعهَا فِي اللُّغَة بل قد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل ميسر لما خلق لَهُ فَبين عَلَيْهِ السَّلَام أَن الْهدى والتوفيق هُوَ تيسير الله تَعَالَى للخير الَّذِي لَهُ خلقه وَأَن الخذلان تيسيره الْفَاسِق للشر الَّذِي لَهُ خلقه وَهَذَا مُوَافق للغة وَالْقُرْآن والبراهين الضرورية الْعَقْلِيَّة وَلما عَلَيْهِ الْفُقَهَاء وَالْأَئِمَّة المحدثون من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ وَعَامة الْمُسلمين حاشا من أضلّهُ الله على علم من أَتبَاع العيارين الْخُلَفَاء كالنظام وثمامة والعلاف والجاحظ

قَالَ أَبُو مُحَمَّد ونبين هَذَا أَيْضا بَيَانا طبيعياً ضَرُورِيًّا لَا خَفَاء بِهِ بعون الله تَعَالَى وتأييده على من لَهُ أدنى بصر بِالنَّفسِ وأخلاقها وقدرة الله تَعَالَى فِي اختراعها فَنَقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أَن الله عز وَجل خلق نفس الْإِنْسَان مُمَيزَة عَاقِلَة عارفة بالأشياء على مَا هِيَ عَلَيْهِ فهمه بِمَا تخاطب بِهِ وَجعلهَا مأمورة منهية فعالة منعمة معذبة ملتذة آلمة حساسة وَخلق فِيهَا قوتين متعاديتين متضادتين فِي التَّأْثِير وهما التَّمْيِيز والهوى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا تُرِيدُ الْغَلَبَة على آثَار النَّفس فالتمييز هُوَ الَّذِي خص نفس الْإِنْسَان وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة دون الْحَيَوَان الَّذِي لَا يُكَلف وَالَّذِي لَيْسَ ناطقاً والهوى هُوَ الَّذِي يشاركها فِيهِ نفوس الْجِنّ وَالْحَيَوَان الَّذِي لَيْسَ ناطقاً من حب اللَّذَّات وَالْغَلَبَة

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذِه الْقُوَّة فِي كل الْحَيَوَان حاشا الْمَلَائِكَة فَإِنَّمَا فِيهَا قُوَّة التَّمْيِيز فَقَط وَلذَلِك لم يَقع مِنْهَا مَعْصِيّة أصلا بِوَجْه من الْوُجُوه فَإِذا عصم الله النَّفس غلب التَّمْيِيز بِقُوَّة من عِنْده هِيَ لَهُ مدد وَعون فجرت أَفعَال النَّفس على مَا رتب الله عز وَجل فِي تمييزها من فعل الطَّاعَات وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسمى الْعقل وَإِذا خذل جلّ وَعز النَّفس أمد الْهوى بِقُوَّة هِيَ الإضلال فجرت أَفعَال النَّفس على مَا رتب الله عز وَجل فِي هَواهَا من الشَّهَوَات وَحب الْغَلَبَة والحرص وَالْبَغي والحسد وَسَائِر الْأَخْلَاق الرذلة والمعاصي وَقد قَامَت الْبَرَاهِين على أَن النَّفس مخلوقة وَكَذَلِكَ جَمِيع قواها المنتجة عو قوتيها الأولتين التَّمْيِيز والهوى كل ذَلِك مَخْلُوق مركب فِي النَّفس مُرَتّب على مَا هُوَ عَلَيْهِ فِيهَا كل جَار على طَبِيعَته الْمَخْلُوق لجري كيفياته بهَا على مَا هِيَ عَلَيْهِ فَإِذا قد صَحَّ أَن كل ذَلِك خلق الله تَعَالَى فَلَا مغلب لبَعض ذَلِك على بعض إِلَّا خَالق الْكل وَحده لَا شريك لَهُ وَقد نَص الله تَعَالَى على ذمّ النَّفس جملَة إِلَّا من رَحمهَا الله تَعَالَى وعصمها قَالَ جلّ وَعز {أَن النَّفس لأمارة بالسوء إِلَّا مَا رحم رَبِّي} فَأخْبر عز وَجل بِنَصّ مَا قُلْنَا فصح أَن المرحومة المستثناة لَا تَأمر بِسوء وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق قَالَ الله تَعَالَى {وَأما من خَافَ مقَام ربه وَنهى النَّفس عَن الْهوى فَإِن الْجنَّة هِيَ المأوى} وذم الله تَعَالَى الْهوى فِي غير مَا مَوضِع من كِتَابه وَهَذَا نَص مَا قُلْنَا وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل

<<  <  ج: ص:  >  >>