للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَنه قَالَ {إِنِّي أخلق لكم من الطين كَهَيئَةِ الطير} وَقَول زُهَيْر بن أبي سلمى الْمُزنِيّ وأراك تخلق مَا فريت وَبَعض الْقَوْم يخلق ثمَّ لَا يفري فقد قُلْنَا أَن كَلَام الله تَعَالَى لَا يخْتَلف وَقد قَالَ تَعَالَى {أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق} وَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّخذُوا من دونه آلِهَة لَا يخلقون شَيْئا وهم يخلقون} وبيقين علم كل ذِي عقل أَن من جملَة أُولَئِكَ الْآلهَة الَّذين اتخذهم الْكفَّار الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ والمسيح عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ تَعَالَى {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم} وَقَالَ الله تَعَالَى حاكياً عَن الْمَلَائِكَة أَنهم قَالُوا عَن الْكفَّار {بل كَانُوا يعْبدُونَ الْجِنّ} فقد صَحَّ يَقِينا بِنَصّ هَذِه الْآيَة أَن الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ والمسيح عَلَيْهِ السَّلَام لَا يخلقون شَيْئا أصلا وَلَا يخْتَلف اثْنَان فِي أَن جَمِيع الْإِنْس فِي فعلهم كمن ذكرنَا أَن كاوا هَؤُلَاءِ يخلفون أفعالهم فسائر النَّاس يخلقون أفعالهم وَإِن كَانَ هَؤُلَاءِ لَا يخلقون شَيْئا من أفعالهم فسائر النَّاس لَا يخلقون شَيْئا من أفعالهم فَإِن ذَلِك وَكَلَام الله عزوجل لَا يخْتَلف فَإذْ لَا شكّ فِي هَذَا فَإذْ الْخلق الَّذِي أثْبته الله عز وَجل للمسيح عَلَيْهِ السَّلَام فِي الطير وللكفار فِي الْإِفْك هُوَ غير الْخلق الَّذِي نَفَاهُ عَنْهُم وَعَن جَمِيع الْخلق لَا يجوز الْبَتَّةَ غير هَذَا فَإذْ هَذَا هُوَ الْحق بِيَقِين فالخلق الَّذِي أوجبه الله تَعَالَى لنَفسِهِ ونفاه عَن غَيره هُوَ الاختراع والإبداع وإحداث الشَّيْء من لَا شَيْء بِمَعْنى من عدم إِلَى وجود وَأما الْخلق الَّذِي أوجبه الله تَعَالَى فَإِنَّمَا هُوَ ظُهُور الْفِعْل مِنْهُم فَقَط وانفرادهم بِهِ وَالله تَعَالَى خالقه فيهم وبرهان ذَلِك أَن الْعَرَب تسمي الْكَذِب اختلاقاً وَالْقَوْل الْكَاذِب مُخْتَلفا وَذَلِكَ القَوْل بِلَا شكّ إِنَّمَا هُوَ لفظ وَمعنى وَاللَّفْظ مركب من حُرُوف الهجاء وَقد كَانَ كل ذَلِك مَوْجُود النَّوْع قبل وجود أشخاص هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفين وَهَذَا كَقَوْلِه عز وَجل {أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ أأنتم تزرعونه أم نَحن الزارعون} وَكَقَوْلِه تَعَالَى {فَلم تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِن الله قَتلهمْ وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} فبيقين يدْرِي كل ذِي حس يُؤمن بِاللَّه تَعَالَى وَبِالْقُرْآنِ إِن الزَّرْع وَالْقَتْل وَالرَّمْي الَّذِي نَفَاهُ عَن النَّاس وَعَن الْمُؤمنِينَ وَعَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ غير الزَّرْع وَالْقَتْل وَالرَّمْي الَّذِي أَضَافَهُ إِلَيْهِم لَا يُمكنهُ الْبَتَّةَ غير ذَلِك لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَقُول إِلَّا الْحق فَإذْ ذَلِك قَالَ الَّذِي نَفَاهُ عَمَّن ذكرنَا هُوَ خلق كل شَيْء واختراعه وإبداعه وتكوينه وإخراجه من عدم إِلَى وجود وَالَّذِي أوجب لَهُم مِنْهُ ظُهُوره فيهم وَنسبَة ذَلِك كُله إِلَيْهِم كَذَلِك فَقَط وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَقَول زُهَيْر وأراك تخلق مَا فريت لَا يشك من لَهُ أقل فهم بِالْعَرَبِيَّةِ أَنه لم يعن الإبداع وَلَا إِخْرَاج الْخلق من عدم إِلَى وجود وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّفاذ فِي الْأُمُور فَقَط فقد وضح أَن لَفْظَة الْخلق مُشْتَركَة تقع على مَعْنيين أَحدهمَا لله تَعَالَى لَا لأحد دونه وَهُوَ الإبداع من عدم إِلَى وجود وَالثَّانِي الْكَذِب فِيمَا لم يكن أَو ظُهُور فعل لم يتَقَدَّم لغيره أَو نَفاذ فِيمَا حاول وَهَذَا كُله مَوْجُود من الْحَيَوَان وَللَّه تَعَالَى خَالق كل ذَلِك وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق وَبِهَذَا تتألف النُّصُوص كلهَا وَأما قَوْله تَعَالَى {صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء} فَهُوَ عَلَيْهِم لَا لَهُم لِأَن الله تَعَالَى أخبر أَن بصنعه أتقن كل شَيْء وَهَذَا على عُمُومه وَظَاهره فَالله تَعَالَى صانع كل شَيْء وإتقانه لَهُ أَن خلقه جوهراً أَو عرضا جاريين على رُتْبَة وَاحِدَة أبدا وَهَذَا عين الإتقان وَأما قَوْله تَعَالَى {أحسن كل شَيْء خلقه} فَإِنَّهُمَا قراءتان مشهورتان من قراآت الْمُسلمين إِحْدَاهمَا {احسن كل شَيْء خلقه} بِإِسْكَان اللَّام فَيكون

<<  <  ج: ص:  >  >>