الَّذِي يُسَمِّيه النَّاس تَفَاوتا فَلم يبْق إِلَّا أَن التَّفَاوُت الَّذِي نَفَاهُ الله تَعَالَى عَمَّا خلق هُوَ شَيْء غير مَوْجُود فِيهِ الْبَتَّةَ لِأَنَّهُ لَو وجد فِي خلق الله تَعَالَى تَفَاوتا لكذب قَول الله عزو جلّ {مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت} وَلَا يكذب الله تَعَالَى إِلَّا كَافِر فَبَطل ظن الْمُعْتَزلَة إِن الْكفْر وَالظُّلم وَالْكذب والجور تفَاوت لِأَن كل ذَلِك مَوْجُود فِي خلق الله عز وَجل مرئي فِيهِ مشَاهد بالعيان فِيهِ فَبَطل احتجاجهم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين فَإِن قَالَ قَائِل فَمَا هَذَا التَّفَاوُت الَّذِي أخبر الله عز وَجل أَنه لَا يرى فِي خلقه قيل لَهُم نعم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق هُوَ اسْم لَا يَقع على مُسَمّى مَوْجُود فِي الْعَالم أصلا بل هُوَ مَعْدُوم جملَة إِذْ لَو كَانَ شَيْئا مَوْجُودا فِي الْعَالم لوجد التَّفَاوُت فِي خلق الله تَعَالَى وَالله تَعَالَى قد أكذب هَذَا وَأخْبر أَنه لَا يرى فِي خلقه ثمَّ نقُول وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أَن الْعَالم كُله مَا دون الله تَعَالَى وَهُوَ كُله مَخْلُوق لله تَعَالَى أجسامه وأعراضه كلهَا لَا تحاشي شَيْئا مِنْهَا ثمَّ إِذا نظر النَّاظر فِي تَقْسِيم أَنْوَاع أعراضه وأنواع أجسامه جرت الْقِسْمَة جَريا مستوياً فِي تَفْصِيل أجناسه وأنواعه بحدودها المميزة لَهَا وفصولها المفرقة بَينهَا على رُتْبَة وَاحِدَة وهيئة وَاحِدَة إِلَى أَن يبلغ إِلَى الْأَشْخَاص الَّتِي تلِي أَنْوَاع الْأَنْوَاع لَا تفَاوت فِي شَيْء من ذَلِك الْبَتَّةَ بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا تخَالف فِي شَيْء مِنْهُ أصلا وَمن وقف على هَذَا علم أَن الصُّورَة المستقبحة عندنَا وَالصُّورَة المستحسنة عندنَا وَاقِعَتَانِ مَعًا تَحت نوع الشكل والتخطيط ثمَّ تَحت نوع الْكَيْفِيَّة ثمَّ تَحت اسْم الْعرض وقوعاً مستوياً لَا تفاضل فِيهِ وَلَا تفَاوت فِي هَذَا بِوَجْه من التَّقْسِيم وَكَذَلِكَ أَيْضا نعلم أَن الْكفْر وَالْإِيمَان بِالْقَلْبِ واقعان تَحت نوع الِاعْتِقَاد ثمَّ تَحت فعل النَّفس ثمَّ تَحت الْكَيْفِيَّة وَالْعرض وقوعاً مستوياً لَا تفاضل فِيهِ وَلَا تفَاوت من هَذَا الْوَجْه من التَّقْسِيم وَكَذَلِكَ أَيْضا نعلم أَن الْإِيمَان وَالْكفْر بِاللِّسَانِ واقعان تَحت نوع فرع الْهَوَاء بآلات الْكَلَام ثمَّ تَحت نوع الْحَرَكَة وَتَحْت نوع الْكَيْفِيَّة وَتَحْت اسْم الْعرض وقوعاً حَقًا مستوياً لَا تفَاوت فِيهِ وَلَا اخْتِلَاف وَهَكَذَا القَوْل فِي الظُّلم والإنصاف وَفِي الْعدْل والجور وَفِي الصدْق وَالْكذب وَفِي الزِّنَا وَالْوَطْء الْحَلَال وَكَذَلِكَ كل مَا فِي الْعَالم حَتَّى يرجع جَمِيع الموجودات إِلَى الرؤس الأول الَّتِي لَيْسَ فَوْقهَا رَأس يجمعها إِلَّا كَونهَا مخلوقة لله تَعَالَى وَهِي الْجَوْهَر والكم والكيف وَالْإِضَافَة على مَا بَينا فِي كتاب التَّقْرِيب وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين فانتقى التَّفَاوُت عَن كل مَا خلق الله تَعَالَى وعادت الْآيَة الْمَذْكُورَة حجَّة على الْمُعْتَزلَة ضَرُورَة لَا منفك لَهُم عَنْهَا وَهِي أَنه لَو كَانَ وجود الْكفْر وَالْكذب وَالظُّلم تَفَاوتا كَمَا زَعَمُوا لَكَانَ التَّفَاوُت مَوْجُودا فِي خلق الرَّحْمَن وَقد كذب الله تَعَالَى ذَلِك وَنفى أَن يرى فِي خلقه تفَاوت وَأما اعتراضهم من طَرِيق النّظر بِأَن قَالُوا أَنه تَعَالَى إِن كَانَ خلق الْكفْر والمعاصي فَهُوَ إِذا يغْضب مِمَّا فعل ويغضب مِمَّا خلق وَلَا يرضى مَا صنع ويسخط مَا فعل وَيكرهُ مَا يفعل وَإنَّهُ يغْضب ويسخط من تَدْبيره وَتَقْدِيره فَهَذَا تمويه ضَعِيف وَنحن لَا ننكر ذَلِك إِذْ أخبرنَا الله عز وَجل بذلك وَهُوَ تَعَالَى قد أخبرنَا أَنه يسْخط الْكفْر وَالظُّلم وَالْكذب وَلَا يرضاه وَأَنه يكره كل ذَلِك ويغضب مِنْهُ فَلَيْسَ إِلَّا التَّسْلِيم لقَوْل الله تَعَالَى نعم نعكس عَلَيْهِم هَذَا السُّؤَال نَفسه فَنَقُول لَهُم أَلَيْسَ الله خلق إِبْلِيس وَفرْعَوْن وَالْخمر وَالْكفَّار فَلَا بُد من نعم فَنَقُول لَهُم أيرضى عز وَجل عَن هَؤُلَاءِ كلهم أم ساخط لَهُم فَلَا بُد من نعم فَنَقُول لَهُم أيرضى عز وَجل عَن هَؤُلَاءِ كلهم أم هُوَ ساخط لَهُم فَلَا بُد من أَنه ساخط لَهُم كَارِه لَهُم غَضْبَان عَلَيْهِم غير رَاض
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute