فَأخْبر تَعَالَى أَنه هدى بَعضهم دون بعض وَهَذَا عِنْد الْمُعْتَزلَة جور وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم كثيرا من الْجِنّ وَالْإِنْس} فنص على انه خلقهمْ ليدخلهم النَّار نَعُوذ بِاللَّه من ذَلِك وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو شَاءَ الله لجعلكم أمة وَاحِدَة وَلَكِن يضل من يَشَاء وَيهْدِي من يَشَاء}
وَأمر تَعَالَى أَن نَدْعُوهُ فَنَقُول {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا} فنص تَعَالَى على زيغ قُلُوب من لم يهدهم من الَّذين زاغوا إِذْ أزاغ الله قُلُوبهم وَقَالَ تَعَالَى {كَذَلِك حقت كلمة رَبك على الَّذين فسقوا أَنهم لَا يُؤمنُونَ} فَقطع تَعَالَى على أَن كَلِمَاته قد حقت على الْفَاسِقين انهم لَا يُؤمنُونَ فَمن الَّذِي حقق عَلَيْهِم أَن لايؤمنوا إِلَّا هُوَ عز وَجل وَهَذَا جور عِنْد الْمُعْتَزلَة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وكل آيَة ذَكرنَاهَا فِي بَاب الِاسْتِطَاعَة مِنْهُنَّ حجَّة عَلَيْهِم فِي هَذَا الْبَاب وكل آيَة نتلوها إِن شَاءَ الله عز وَجل فِي بَاب إِثْبَات أَن الله عز وَجل أَرَادَ كَون الْكفْر وَالْفِسْق بعد هَذَا الْبَاب مَنْهِيّ أَيْضا حجَّة عَلَيْهِم فِي هَذَا الْبَاب وَكَذَلِكَ كل آيَة نتلوها إِن شَاءَ الله عز وَجل فِي إبِْطَال قَول من قَالَ لَيْسَ عِنْد الله تَعَالَى شَيْء أصلح مِمَّا أعطَاهُ الله أَبَا جهل وَفرْعَوْن وَأَبا لَهب مِمَّا يَسْتَدْعِي إِلَى الْإِيمَان فَإِنَّهَا حجَّة عَلَيْهِم فِي هَذَا الْبَاب وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد واحتجت الْمُعْتَزلَة بقول الله تَعَالَى {وَمَا خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين مَا خلقناهما إِلَّا بِالْحَقِّ} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا رَبك بظلام للعبيد} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا ظلمناهم وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا رَبك بلام للعبيد وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِن شَرّ الدَّوَابّ عِنْد الله الصم الْبكم الَّذين لَا يعْقلُونَ وَلَو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم وَلَو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذِه حجَّة لنا عَلَيْهِم لِأَنَّهُ تَعَالَى أخبر أَنه قَادر على أَن يسمعهم والإسماع هَاهُنَا الْهدى بِلَا شكّ لِأَن آذانهم كَانَت صحاحاً وَمعنى قَوْله تَعَالَى {وَلَو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} إِنَّمَا مَعْنَاهُ بِلَا شكّ لتولوا عَن الْكفْر وهم معرضون عَنهُ لَا يجوز غير هَذَا لِأَنَّهُ محَال أَن يهْدِيهم الله وَقد علم من قُلُوبهم خيرا فَلَا يهتدوا وَهَذَا تنَاقض قد تنزه كَلَامه عز وَجل عَنهُ فصح أَنه كَمَا ذكرنَا يَقِينا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وسائرها حجَّة لَهُم فِي شَيْء مِنْهُ بل هُوَ حجَّة لنا عَلَيْهِم وَهُوَ نَص قَوْلنَا أَنه خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بِالْحَقِّ وأفعال الْعباد بَين السَّمَاء وَالْأَرْض بِلَا شكّ فَالله تَعَالَى خلقهَا بِالْحَقِّ الَّذِي هُوَ اختراعه لَهَا وكل مَا فعل تَعَالَى حق وإضلاله من أضلّ حق لَهُ وَمِنْه تَعَالَى وهداه من هدى حق مِنْهُ تَعَالَى ومحاباته من حابى بِالنُّبُوَّةِ وبالطاعة حق مِنْهُ وَنحن نبرأ إِلَى الله تَعَالَى من كل من قَالَ أَن الله تَعَالَى خلق شَيْئا بِغَيْر الْحق أَو أَنه تَعَالَى خلق شَيْئا لاعباً أَو أَنه تَعَالَى ظلم أحدا بل فعله عدل وَصَلَاح وَلَقَد ظهر لكل ذِي فهم أننا قَائِلُونَ بِهَذِهِ الْآيَات على نَصهَا وظاهرها فَأَي حجَّة لَهُم علينا فِي هَذِه النُّصُوص لَو عقلوا وَأما الْمُعْتَزلَة فَيَقُولُونَ أَنه تَعَالَى لم يخلق كثيرا مِمَّا بَين السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا سِيمَا عباد بن سُلَيْمَان مِنْهُم تلميذ هِشَام بن عَمْرو الفوطي الْقَائِل أَن الله تَعَالَى لم يخلق الجدب وَلَا الْجُوع وَلَا الْأَمْرَاض وَلَا الْكفَّار وَلَا الْفُسَّاق وَمُحَمّد بن عبد الله الإسكافي تلميذ جَعْفَر بن حَرْب الْقَائِل أَن الله تَعَالَى لم يخلق العيدان وَلَا المزامير وَلَا الطنابير وكل ذَلِك لَيْسَ يخلق من خلق الله تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا وهم يَقُولُونَ أَن الله عز وَجل لَو حابى أحدا لَكَانَ ظَالِما لغيره وَقد صَحَّ أَن الله تَعَالَى حابى مُوسَى وَإِبْرَاهِيم