اللُّغَة مُجَرّد فَإِن قَالُوا أَن الشَّرِيعَة أوجبت علينا هَذَا قُلْنَا صَدقْتُمْ فَلَا تتعلقوا باللغة حَيْثُ جَاءَت الشَّرِيعَة بِنَقْل اسْم مِنْهَا عَن مَوْضُوعه فِي اللُّغَة كَمَا فَعلْتُمْ آنِفا سَوَاء بِسَوَاء وَلَا فرق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَو كَانَ مَا قَالُوهُ صَحِيحا لوَجَبَ أَن يُطلق اسْم الْإِيمَان لكل من صدق بِشَيْء مَا ولكان من صدق بإلاهية الحلاج وبإلاهية الْمَسِيح وبإلاهية الْأَوْثَان مُؤمنين لأَنهم مصدقون بِمَا صدقُوا بِهِ وَهَذَا لَا يَقُوله أحد مِمَّن ينتمي إِلَى الْإِسْلَام بل قَالَه كَافِر عِنْد جَمِيعهم وَنَصّ الْقُرْآن يكفر من قَالَ بِهَذَا قَالَ الله تَعَالَى {ويريدون أَن يفرقُوا بَين الله وَرُسُله وَيَقُولُونَ نؤمن بِبَعْض ونكفر بِبَعْض ويريدون أَن يتخذوا بَين ذَلِك سَبِيلا أُولَئِكَ هم الْكَافِرُونَ حَقًا} فَهَذَا الله عز وَجل شهد بِأَن قوما يُؤمنُونَ بِبَعْض الرُّسُل وَبِاللَّهِ تَعَالَى ويكفرون بِبَعْض فَلم يجز مَعَ ذَلِك أَن يُطلق عَلَيْهِم اسْم الْإِيمَان أصلا با أوجب لَهُم اسْم الْكفْر بِنَصّ الْقُرْآن
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقَول مُحَمَّد بن زِيَاد الحريري لَازم لهَذِهِ الطوائف كلهَا لَا ينفكون عَنهُ على مُقْتَضى اللُّغَة وموجبها وَهُوَ قَول لم يخْتَلف مسلمان فِي أَنه كفر مُجَرّد وَأَنه خلاف لِلْقُرْآنِ كَمَا ذكرنَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَبَطل تعلق هَذِه الطوائف باللغة جملَة وَأما قَوْلهم أَنه لَو كَانَ الْعَمَل يُسمى إِيمَانًا لَكَانَ من ضيع مِنْهُ شَيْئا فقد أضاع الْإِيمَان وَوَجَب أَن لَا يكون مُؤمنا فَإِنِّي قلت لبَعْضهِم وَقد ألزمني هَذَا الْإِلْزَام كلَاما تَفْسِيره وَبسطه إننا لَا نسمي فِي الشَّرِيعَة اسْما إِلَّا بِأَن يَأْمُرنَا الله تَعَالَى أَن نُسَمِّيه أَو يُبِيح لنا الله بِالنَّصِّ أَن نُسَمِّيه لأننا لَا نَدْرِي من أَرَادَ الله عز وَجل منا إِلَّا بِوَحْي وَارِد من عِنْده علينا وَمَعَ هَذَا فَإِن الله عز وَجل يَقُول مُنْكرا لمن سمي فِي الشَّرِيعَة شَيْئا بِغَيْر إِذْنه عز وَجل {إِن هِيَ إِلَّا أَسمَاء سميتموها أَنْتُم وآباؤكم مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان إِن يتبعُون إِلَّا الظَّن وَمَا تهوى الْأَنْفس وَلَقَد جَاءَهُم من رَبهم الْهدى أم للْإنْسَان مَا تمنى} وَقَالَ تَعَالَى {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا ثمَّ عرضهمْ على الْمَلَائِكَة فَقَالَ أنبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ إِن كُنْتُم صَادِقين قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا علم لنا إِلَّا مَا علمتنا} فصح أَنه لَا تَسْمِيَة مُبَاحَة لملك وَلَا لأنسي دون الله تَعَالَى وَمن خَالف هَذَا فقد افترى على الله عز وَجل الْكَذِب وَخَالف الْقُرْآن فَنحْن لَا نسمي مُؤمنا إِلَّا من سَمَّاهُ الله عز وَجل مُؤمنا وَلَا نسقط الْإِيمَان بعد وُجُوبه إِلَّا عَمَّن أسْقطه الله عز وَجل عَنهُ وَوجدنَا بعض الْأَعْمَال الَّتِي سَمَّاهَا الله عز وَجل إِيمَانًا لم يسْقط الله عز وَجل اسْم الْإِيمَان عَن تاركها فَلم يجز لنا أَن نسقطه عَنهُ لذَلِك لَكِن نقُول انه ضيع بعض الْإِيمَان وَلم يضيع كُله كَمَا جَاءَ النَّص على مَا نبين إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَإِذا سقط كل مَا موهت بِهِ هَذِه الطوائف كلهَا وَلم يبْق لَهُم حجَّة أصلا فلنقل بعون الله عز وَجل وتأييده فِي بسط حجَّة القَوْل الصَّحِيح الَّذِي هُوَ قَول جُمْهُور أهل الْإِسْلَام وَمذهب الْجَمَاعَة وَأهل السّنة وَأَصْحَاب الْآثَار من أَن الْإِيمَان عقد وَقَول وَعمل وَفِي بسط مَا أجملناه مِمَّا نقدنا بِهِ قَول المرجئة وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد أصل الْإِيمَان كَمَا قُلْنَا فِي اللُّغَة التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ وباللسان مَعًا بِأَيّ شَيْء صدق الْمُصدق لَا شَيْء دون شَيْء الْبَتَّةَ إِلَّا أَن الله عز وَجل على لِسَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوقع لَفْظَة الْإِيمَان على العقد بِالْقَلْبِ لِأَشْيَاء محدودة مَخْصُوصَة مَعْرُوفَة على على العقد لكل شَيْء وأوقعها أَيْضا تَعَالَى على الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ بِتِلْكَ الْأَشْيَاء خَاصَّة لَا بِمَا سواهَا وأوقعها أَيْضا على أَعمال الْجَوَارِح لكل مَا هُوَ طَاعَة لَهُ تَعَالَى فَقَط فَلَا يحل لأحد خلاف الله تَعَالَى فِيمَا أنزلهُ وَحكم بِهِ وَهُوَ تَعَالَى خَالق اللُّغَة وَأَهْلهَا فَهُوَ أملك بتصريفها وإيقاع أسمائها على مَا يَشَاء وَلَا عجب أعجب مِمَّن أوجد لأمريء الْقَيْس أَو لزهير أَو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute