للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن كفر النِّعْمَة عمل يَقع من الْمُؤمن وَالْكَافِر وَلَيْسَ هُوَ مِلَّة وَلَا اسْم دين فَمن ادّعى اسْم دين وملة غير الْإِيمَان الْمُطلق وَالْكفْر الْمُطلق فقد أَتَى بِمَا لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَأما من قَالَ هُوَ فَاسق لَا مُؤمن وَلَا كَافِر فَمَا لَهُم حجَّة أصلا إِلَّا أَنهم قَالُوا قد صَحَّ الْإِجْمَاع على انه فَاسق لِأَن الْخَوَارِج قَالُوا هُوَ كَافِر فَاسق وَقَالَ غَيرهم هُوَ مُؤمن فَاسق فاتفقوا على الْفسق فَوَجَبَ القَوْل بذلك وَلم يتفقوا على إيمَانه وَلَا على كفره فَلم يجز القَوْل بذلك

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا خلاف لإِجْمَاع من ذكر لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُم أحد جعل الْفسق اسْم دينه وَإِنَّمَا سموا بذلك عمله وَالْإِجْمَاع والنصوص قد صَحَّ كل ذَلِك على أَنه لَا دين إِلَّا الْإِسْلَام أَو الْكفْر من خرج من أَحدهمَا دخل فِي الآخر وَلَا بُد إِذْ لَيْسَ بَينهمَا وسيطة وَكَذَلِكَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا الْكَافِر الْمُسلم وَهَذَا حَدِيث قد أطبق جَمِيع الْفرق المنتمية إِلَى الْإِسْلَام على صِحَّته وعَلى القَوْل بِهِ فَلم يَجْعَل عَلَيْهِ السَّلَام دينا غير الْكفْر وَالْإِسْلَام وَلم يَجْعَل هَاهُنَا دينا ثَالِثا اصلا

قَالَ أَبُو مُحَمَّد واحتجت الْمُعْتَزلَة أَيْضا بِأَن قَالَت الله تَعَالَى {أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون}

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {أفنجعل الْمُسلمين كالمجرمين مَا لكم كَيفَ تحكمون} فصح أَن هَؤُلَاءِ الَّذين سماهم الله تَعَالَى مجرمين وفساقاً وأخرجهم عَن الْمُؤمنِينَ نصا فَإِنَّهُم لَيْسُوا على دين الْإِسْلَام وَإِذا لم يَكُونُوا على دين الْإِسْلَام فهم كفار بِلَا شكّ إِذْ لَا دين هَا هُنَا غَيرهمَا أصلا برهَان هَذَا قَوْله تَعَالَى {فأنذرتكم نَارا تلظى لَا يصلاها إِلَّا الأشقى الَّذِي كذب وَتَوَلَّى} وَقد علمنَا ضَرُورَة أَنه لَا دَار إِلَّا الْجنَّة أَو النَّار وَأَن الْجنَّة لَا يدخلهَا إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ الْمُسلمُونَ فَقَط وَنَصّ الله تَعَالَى على أَن النَّار لَا يدخلهَا إِلَّا المكذب الْمُتَوَلِي وَالْمُتوَلِّيّ المكذب كَافِر بِلَا خلاف فَلَا يخلد فِي النَّار إِلَّا كَافِر وَلَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن فصح أَنه لَا دين إِلَّا الْإِيمَان وَالْكفْر فَقَط وَإِذ ذَلِك كَذَلِك فَهَؤُلَاءِ الَّذين سماهم الله عز وَجل مجرمين وفاسقين وأخرجهم عَن الْمُؤمنِينَ فهم كفار مشركون لَا يجوز غير ذَلِك وَقَالَ الْمُؤمن مَحْمُود محسن ولي الله عز وَجل والمذنب مَذْمُوم مسيء عَدو لله قَالُوا وَمن الْمحَال أَن يكون إِنْسَان وَاحِد مَحْمُودًا مذموماً محسناً مسيئاً عدوا لله وليا لَهُ مَعًا

قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا الَّذِي أنكروه لَا نكرَة فِيهِ بل هُوَ أَمر مَوْجُود مشَاهد فَمن أحسن من وَجه وأساء من وَجه آخر كمن صلى ثمَّ زنى فَهُوَ محسن مَحْمُود ولي الله فِيمَا أحسن فِيهِ من صَلَاة وَهُوَ مسيء مَذْمُوم عَدو لله فِيمَا أَسَاءَ فِيهِ من الزِّنَا قَالَ عز وَجل {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} فبالضرورة نَدْرِي أَن الْعَمَل الَّذِي شهد الله عز وَجل أَنه سيء فَإِن عَامله فِيهِ مَذْمُوم مسيء عَاص لله تَعَالَى ثمَّ يُقَال لَهُم مَا تَقولُونَ إِن عارضتكم المرجئة بكلامكم نَفسه فَقَالُوا من الْمحَال أَن يكون إِنْسَان وَاحِد مَحْمُودًا مذموماً محسناً مسيئا عَدو لله وليا لَهُ مَعًا ثمَّ أَرَادوا تَغْلِيب الْحَمد وَالْإِحْسَان وَالْولَايَة وَإِسْقَاط الذَّم والإساءة والعداوة كَمَا أردتم أَنْتُم بِهَذِهِ الْقَضِيَّة نَفسهَا تَغْلِيب الذَّم والإساءة والعداوة وَإِسْقَاط الْحَمد وَالْإِحْسَان وَالْولَايَة بِمَا ينفصلون عَنْهُم فَإِن قَالَت الْمُعْتَزلَة أَن الشَّرْط فِي حَمده وإحسانه وولايته أَن تجتنب الْكَبَائِر قُلْنَا لَهُم فَإِن عارضتكم المرجئة فَقَالَت أَن الشَّرْط فِي ذمه وإساءته ولعنه وعداوته ترك شَهَادَة التَّوْحِيد فَإِن قَالَت الْمُعْتَزلَة

<<  <  ج: ص:  >  >>