للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهِي بعد كفر كَأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا يعلمُونَ النَّاس السحر وَمَا أنزل على الْملكَيْنِ بِبَابِل هاروت وماروت} ثمَّ ذكر عز وَجل مَا كَانَ يَفْعَله ذَلِك الْملكَانِ فَقَالَ تَعَالَى {وَمَا يعلمَانِ من أحد حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر فيتعلمون مِنْهُمَا مَا يفرقون بِهِ بَين الْمَرْء وزوجه وَمَا هم بضارين بِهِ من أحد إِلَّا بِإِذن الله ويتعلمون مَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق}

قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَقَوْل الْملكَيْنِ إِنَّمَا نَحن فتْنَة فَلَا تكفر قَول صَحِيح وَنهي عَن الْمُنكر وَأما الْفِتْنَة فقد تكون ضلالا وَتَكون هدى قَالَ الله عز وَجل حاكياً عَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لرَبه {أتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا أَن هِيَ إِلَّا فتنتك تضل بهَا من تشَاء وتهدي من تشَاء} فَصدق الله عز وَجل قَوْله وَصَحَّ أَن يهدي بالفتنة من يَشَاء ويضل بهَا من يَشَاء وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} وَلَيْسَ كل أحد يضل بِمَالِه وَولده فقد كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوْلَاد وَمَال وَكَذَلِكَ لكثير من الرُّسُل عَلَيْهِم السَّلَام وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا جعلنَا أَصْحَاب النَّار إِلَّا مَلَائِكَة وَمَا جعلنَا عدتهمْ إِلَّا فتْنَة للَّذين كفرُوا ليستيقن الَّذين أُوتُوا الْكتاب ويزداد الَّذين آمنُوا إِيمَانًا} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن لَو استقاموا على الطَّرِيقَة لأسقيناهم مَاء غدقاً لنفتنهم فِيهِ} فَهَذِهِ سقيا المَاء الَّتِي هِيَ جَزَاء على الاسْتقَامَة قد سَمَّاهَا تَعَالَى فتْنَة فصح أَن من الْفِتْنَة خير أَو هدى وَمنا إضلالا وَكفرا والملكان الْمَذْكُورَات كَذَلِك كَانَا فتْنَة يَهْتَدِي من اتبع أَمرهمَا فِي أَن لَا يكفر ويضل من عصاهما فِي ذَلِك وَقَوله تَعَالَى {فيتعلمون مِنْهُمَا مَا يفرقون بِهِ بَين الْمَرْء وزوجه} حق لِأَن اتِّبَاع رسل الله عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام هَذِه صفتهمْ يُؤمن الزَّوْج فَيُفَرق إيمَانه بَينه وين امْرَأَته الَّتِي لم تؤمن وتؤمن هِيَ فَيُفَرق إيمَانهَا بَينهَا وَبَين زَوجهَا الَّذِي لم يُؤمن فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَفِي الْولَايَة ثمَّ رَجَعَ تَعَالَى إِلَى الْخَبَر عَن الشَّيَاطِين فَقَالَ عز وَجل {وَمَا هم بضارين بِهِ من أحد إِلَّا بِإِذن الله} وَهَذَا حق لِأَن الشَّيَاطِين فِي تعليمهم مَا قد نسخه الله عز وَجل وأبطله ضارون من إِذن الله تَعَالَى باستضراره بِهِ وَهَكَذَا إِلَى آخر الْآيَة وَمَا قَالَ عز وَجل قطّ أَن هاروت وماروت علما سحرًا وَلَا كفرا وَلَا أَنَّهُمَا عصيا وَإِنَّمَا ذكر ذَلِك فِي خرافة مَوْضُوعَة لَا نصح من طَرِيق الْإِسْنَاد أصلا وَلَا هِيَ أَيْضا مَعَ ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا هِيَ مَوْقُوفَة على من قَالَ من دونه عَلَيْهِ السَّلَام فَسقط التَّعَلُّق بهَا وَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَهَذَا التَّفْسِير الْأَخير هُوَ نَص الْآيَة دون تكلّف تَأْوِيل وَلَا تَقْدِيم وَلَا تَأْخِير وَلَا زِيَادَة فِي الْآيَة وَلَا نقص مِنْهَا بل هُوَ ظَاهرهَا وَالْحق الْمَقْطُوع بِهِ عِنْد الله تَعَالَى يَقِينا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق فَإِن قيل كَيفَ تصح هَذِه التَّرْجَمَة أَو الْأُخْرَى وَأَنْتُم تَقولُونَ أَن الْمَلَائِكَة لَا يُمكن أَن يراهم إِلَّا نَبِي وَكَذَلِكَ الشَّيَاطِين وَلَا فرق فَكيف تعلم الْمَلَائِكَة النَّاس أَو كَيفَ تعلم الْجِنّ النَّاس قُلْنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أما الْمَلَائِكَة فيعلمون من أرْسلُوا إِلَيْهِ من الْأَنْبِيَاء خَاصَّة وينهونهم عَن الْكفْر كَمَا نهى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَن الْكفْر فِي نَص الْقُرْآن وَأما الشَّيَاطِين فتعلم النَّاس بالوسوسة فِي الصُّدُور وتزيين الْبَاطِل أَو يتَمَثَّل فِي صُورَة إِنْسَان كَمَا تمثل يَوْم بدر فِي صُورَة سراقَة بن مَالك بن جعثم قَالَ تَعَالَى {وَإِذ زين لَهُم الشَّيْطَان أَعْمَالهم وَقَالَ لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس وَأَنِّي جَار لكم فَلَمَّا تراءت الفئتان نكص على عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُم إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ إِنِّي أَخَاف الله} وَأما الْحور الْعين فنسو أَن مكرمات مخلوقات فِي الْجنَّة لأولياء الله عز وَجل عافلات مميزات مطيعات لله تَعَالَى فِي النَّعيم خُلِقْنَ فِيهِ ويخلدن بِلَا نِهَايَة لَا يعصين الْبَتَّةَ وَالْجنَّة إِذْ دَخلهَا أَهلهَا المخلدون فَلَيْسَتْ دَار

<<  <  ج: ص:  >  >>