للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ ذَلِك محققاً أول خُرُوجه من الْغَار وَهَذَا خرافة مَوْضُوعَة مكذوبة ظَاهِرَة الافتعال وَمن الْمحَال الْمُمْتَنع أَن يبلغ أحد حد التميز وَالْكَلَام بِمثل هَذَا وَهُوَ لم ير قطّ شمساً وَلَا قمراً وَلَا كوكباً وَقد أكذب الله هَذَا الظَّن الْكَاذِب بقوله الصَّادِق وَلَقَد آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رشده من قبل وَكُنَّا بِهِ عَالمين فمحال أَن يكون من اتاه الله رشده من قبل يدْخل فِي عقله أَن الْكَوَاكِب ربه أَو أَن الشَّمْس ربه من أجل أَنَّهَا أكبر قرصاً من الْقَمَر هَذَا مَا لَا يَظُنّهُ إِلَّا مَجْنُون الْعقل وَالصَّحِيح من ذَلِك أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا قَالَ ذَلِك موبخاً لِقَوْمِهِ كَمَا قَالَ لَهُم نَحْو ذَلِك فِي الْكَبِير من الْأَصْنَام وَلَا فرق لأَنهم كَانُوا على دبن الصابئين يعْبدُونَ الْكَوَاكِب ويصورون الْأَصْنَام على صورها وأسمائها فِي هياكلهم ويعيدون لَهَا الأعياد ويذبحون لعا الذَّبَائِح ويقربون لَهَا الْقرب والقرابين والدخن وَيَقُولُونَ أَنَّهَا تعقل وتدبر وتضر وَتَنْفَع ويقيمون لكل كَوْكَب مِنْهَا شَرِيعَة محدودة فوبخهم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام على ذَلِك وسخر مِنْهُم وَجعل يُرِيهم تَعْظِيم الشَّمْس لكبر جرمها كَمَا قَالَ تَعَالَى {فاليوم الَّذين آمنُوا من الْكفَّار يَضْحَكُونَ} فاراهم ضعف عُقُولهمْ فِي تعظيمهم لهَذِهِ الأجرام المسخرة الجمادية وَبَين لهمأنهم مخطئون وَأَنَّهَا مُدبرَة تنْتَقل فِي الْأَمَاكِن ومعاذ الله أَن يكون الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام أشرك قطّ بربه أَو شكّ فِي أَن الْفلك بِكُل مَا فِيهِ مَخْلُوق وبرهان قَوْلنَا هَذَا إِن الله تَعَالَى لم يعاتبه على شَيْء مِمَّا ذكر وَلَا عنفه على ذَلِك بل صدقه تَعَالَى بقوله {وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم على قومه نرفع دَرَجَات من نشَاء} فصح هَذَا بِخِلَاف مَا وَقع لآدَم وَغَيره بل وَافق مُرَاد الله عز وَجل بِمَا قَالَ من ذَلِك وَبِمَا فعل وَأما قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى قَالَ أولم تؤمن قَالَ بلَى وَلَكِن ليطوئن قلبِي فَلم يقرره رَبنَا عز وَجل وَهُوَ يشك فِي إِيمَان إِبْرَاهِيم عَبده وخليله وَرَسُوله عَلَيْهِ السَّلَام تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَلَكِن تَقْرِير الْإِيمَان فِي قلبه وَإِن لم ير كَيْفيَّة إحْيَاء الْمَوْتَى فَأخْبر عَلَيْهِ السَّلَام عَن نَفسه أَنه مُؤمن مُصدق وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يرى الْكَيْفِيَّة فَقَط وَيعْتَبر بذلك وَمَا شكّ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَن الله تَعَالَى يحيي الْمَوْتَى وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يرى الْهَيْئَة كَمَا أننا لَا نشك فِي صِحَة وجود الْفِيل والتمساح والكسوف وَزِيَادَة النَّهر والخليفة ثمَّ يرغب من لم ير لَك منافي أَن يرى كل ذَلِك وَلَا يشك فِي أَنه حق لَكِن ليرى الْعجب الَّذِي يتمثله وَلم تقع عَلَيْهِ حاسة بَصَره فَقَط وَأما مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحن أَحَق بِالشَّكِّ من إِبْرَاهِيم فَمن ظن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شكّ قطّ فِي قدرَة ربه عز وَجل على إحْيَاء الْمَوْتَى فقد كفر وَهَذَا الحَدِيث حجَّة لنا على نفي الشَّك عَن إِبْرَاهِيم أَي لَو كَانَ الْكَلَام من إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام شكا لَكَانَ من لم يُشَاهد من الْقُدْرَة مَا شَاهد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَحَق بِالشَّكِّ فَإِذا كَانَ من لم يُشَاهد من الْقُدْرَة مَا شَاهد إِبْرَاهِيم غير شَاك فإبراهيم عَلَيْهِ السَّلَام أبعد من الشَّك

(قَالَ أَبُو مُحَمَّد) وَمن نسب هَا هُنَا إِلَى الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام الشَّك فقد نسب إِلَيْهِ الْكفْر وَمن كفر نَبيا فقد كفر وَأَيْضًا فَإِن كَانَ ذَلِك شكا من إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَكُنَّا نَحن أَحَق بِالشَّكِّ مِنْهُ فَنحْن إِذا شكاك جاحدون كفار وَهَذَا كَلَام نعلم وَالْحَمْد لله بُطْلَانه من أَنْفُسنَا بل نَحن وَللَّه الْحَمد مُؤمنُونَ مصدقون بِاللَّه تَعَالَى وَقدرته على كل شَيْء يسْأَل عَنهُ السَّائِل وَذكروا قَول إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لِأَبِيهِ واستغفاره لَهُ وَهَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَنَّهُ لم يكن نهى عَن ذَلِك قَالَ تَعَالَى {فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عَدو لله تَبرأ مِنْهُ} فائنى الله تَعَالَى عَلَيْهِ بذلك فصح أَن اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِنَّمَا كَانَ مُدَّة حَيَاته راجياً إيمَانه فَلَمَّا مَاتَ كَافِرًا تَبرأ مِنْهُ وَلم يسْتَغْفر لَهُ بعْدهَا تمّ الْكَلَام فِي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام

<<  <  ج: ص:  >  >>